النور الثالث عشر

الإمام محمد بن الحسن المهذي المنتظر

القسم الثالث

القسم الأول - القسم الثاني

لماذا كانت الغيبة ؟!

سبق وأن أشرنا إلى أن وجود الإمام أمر ضروري لجهات عديدة منها رفع الأختلافات ، وتفسير وتوضيح القوانين الإلهية والهداية المعنوية والباطنية وغير ذلك ، وأن الله تعالى برحمته قد جعل الإمام أمير المؤمنين (ع) وبعده أحد عشر إماماً من ابنائه ، ومن الواضح ان مهمة كل إمام تشبه من حيث تمام جوانب الإمامة ، وظائف الأئمة الأخرين (ع) وأنه لو لم تكن هناك موانع فإن عليه الظهور للناس ، لكي يستفيدوا منه ، وإذا كان الأمر كذلك فلماذا كان غائباً .؟

إن الأعتقاد بحكمه الله تعالى يجعل من غير اللازم أساساً أن نعرف فلسة الغيبة ، بعد أن ثبت ثبوتاً قطعياً لا شك فيه فلا يضرنا مطلقاً إذاً ، ان لا نعرف علة الغيبة ، وذلك شبيه بتلك الموارد الكثيرة التي لا نعرف وجه الحكمة فيها ، وإنما يكفينا فقط أن يثبت لدينا بالروايات الصحيحة والبراهين القوية أن الله العظيم أرسل حجته إلى الأمة ، ولكن كانت هناك بعض المصالح التي استدعت أن يبقى وراء ستار الغيبة ويبدو من بعض الروايات أن السبب الأصلي سيعرف بعد ظهوره (ع) .

على أنه يمكننا أن نعدد للغيبة بعض الفوائد التي قد تكون بعض الأخبار قد أشارت إليها ومنها :
-1 امتحان الأمة / لكي تنكشف الفئة التي استبطنت السوء وعدم الإيمان ، وتبدو ظاهرة متميزة عن الفئة التي تمكن الإيمان من أعماق قلوبها وراح يزداد ويتعمق بانتظارها للفرج ، وصبرها في الشدائد ، واعتقادها بالغيب ، وبازدياد الإيمان يرتفع قدرها ، وتحصل على درجات عالية من الثواب .
-2 حفظة من القتل : إن ملاحظة تاريخ الأئمة (ع) - كما هو تاريخ الأنبياء (ع) - والجور الذي توجه اليهم من قبل خلفاء بتي امية وبني العباس ، ترشدنا الى أن الإمام الثاني عشر لو كان ظاهراً فإنه سيقتل لامحالة كما قتل أباؤه من قبل ، وذلك لأن الأعداء كان قد انتهى الى سمعها أنه سيظهر شخص من أهل البيت (ع) ومن ولد علي وفاطمة (ع) يحطم عروش الظالمين والمستبدين وانه ابن الإمام العسكري (ع) لذا فإن العباسيين لم يدخروا وسعاً في تقصي اخبار هذا الإمام (ع) ولاكن الله تعالى سلمهُ من كيدهم وخيب آمالهم كما فر موسى بن عمران (ع) من مصر ، ووروده على شعيب ، وعتزال نبينا المعظم (ص) في شعب أبي طالب وختفائه أخيراً في الغار حين أرادوا قتله . فكذالك المهدي المنتظر (ع) يخشى القتل لعدم وجود الأسباب العادية لنصرته وتقدمه في دعوته ، فلا مفر له من الأعتزال والغيبة حتى يأتي الله تعالى بأمره .

-3 لئلا تكون في عنقه (ع) بيعة لأحد :- حيث حفظته من بيعة الظالمين والحكام الغاصبين ، وانه سيظهرحين يظهر وليس لأحد بيعة في عنقه ، فيظهر الحق عيناً ، وبلا أي مواريه ويقر في الأرض حكم القسط والعدل .

-4 تكميل النفوس وتهذيبها فالناس يختلفون في درجة الأستعداد وتحمل التكاليف ، ومنه منشأ اختلاف درجات الإيمان ، وارتقاء البشر من ناحية العلوم والمعارف ، لتكميل العقول ونضوجها ، وقد ورد في وصف أصحابه أنهم العلماء والنجباء والقضاة والحكام ورهبان الليل وليوث النهار .

-5 تأديب الأمة تجاه ما صدر منها تجاه الرسول وآله (ص) ، وذلك لأن الأمة لم تقم بواجبها تجاه الرسول والإمام من الأمتثال لأوامره ونواهيه ومعاونته ، بل عصته وتجاوزت في ذلك الحد ، بإذائه بكل وسيلة ، فيجوز للإمام تركها واعتزالها ، لتأديبها وتحذيرها لعلها ترجع إلى الصواب وإلى رشدها ، وتدرك فوائد وجود الرسول والإمام بين أظهرها هادياً ومرشداً داعياً .

ومن الواضح أن الأعتزال ليس له حد ولا أمد معين بل حده رجوع القوم عن ضلالهم إلى رشدهم ، وتنبيههم بعد غفلتهم ، ويقظتهم بعد رقدتهم .

-6 حفظ أوليائه من القتل .

-7 لمصلحة خفية استأثر الله تعالى بعلمها ، وقد تحدثنا عن هذين الأمرين بما يكفي ، فلا نعيد .

فوائد وجود الإمام عليه السلام غائباً :

ليس المقصود من غيبته (ع) أنه لا يُرى ، بل المراد من ذلك أنه لا يُعرف شخصه .
لم يكن هناك أي تقصير من جانب الله الرحيم في مجال العناية والرحمة ، بل إن تقصير الناس أنفسهم هو الذي أوجب غيبة الإمام (ع) وتأخر ظهوره ، ولكننا يجب أن نعلم أن فوائد وجود الإمام لا تنحصر بالإرشادات والهداية الظاهرية إن كان بين الناس ، بل إن هناك فوائد أخرى تكوينية وتشريعية تترتب على وجوده ، وإن كان غائباً عن الناس . واهم فوائد وجوده عليه السلام :

-1 كونه (ع) ( واسطة الفيض الأقدس ) ، بمعنى كونه الرابطة بين العالَم والخالق ، فانقطاعه يعني ذلك النبض ، لأن تمام أنواع الفيض الإلهي إنما تنزل على الناس بواسطة الإمام ، كما تتنزل الأوامر والقرارات إلى الموظفين من الرؤساء والوزراء بواسطة المدير .

-2 هدايته المعنوية للأفراد اللائقين لذلك ، وإن لم يستطع هؤلاء أن يروه بشخصه المعروف .

-3 صيانته للدين وهداية الناس اللائقين ، فالإمام (ع) كالشمس التي يغطيها السحاب ، فكما يستفيد الخلق من الشمس ويستضيؤن بنورها وإن جللها السحاب ، فكذلك يستفيد الخلق ولايته في غيبته .

-4 الأعتقاد بالإمام المهدي (عج) يعني ارتباط الناس بعالم الغيب ، وأنه لم ينقطع ، ولا يعني انتظار المسلمين للإمام المهدي (ع) أن يتخلوا عن مسؤلياتهم ، فيضيعوا أحكامهم ، ويتركوا الجهاد ، كما يزعم بعض الجهلة ، بل على المسلمين أن يعملوا على نشر المعارف الإسلامية وإقرار الأحكام الشرعية ، وبعبارة أخرى أن يعملوا على تهئية الأرضية لمساعدة قيامه (ع) ، فيكون الفرد المسلم مستعداً ومنظماً حياته ، بشكل لا يتناقض مع دعوته (ع) ، لكي يكون مؤهلاً للأنخراط في سلك أتباعه وانصاره ، ويقارع أعدائه بكل ثبات .

شبهات وردود :

كثيراً ما يعترض المخالفون لنا في فكرة الإمام المهدي (ع) بشبهات واهية ، ونحن سنتعرض لأهمها ونجيب عنها ، بجوابات شافية مقتبسة من العلماء :

الشبهة الأولى : هلاّ منع الله تعالى من قتله بالحيلولة بينه وبين من يريد قتله ؟

الجواب : إن الممنع الذي لا يناقض التكليف ، وهو الأمر بوجوب اتباعه ونصرته والإنقياد له ، والنهي عن عصيانه وخلافه ، قد فعله تعالى ، وأما الحيلولة بينه (ع) وبينهم ، فإنه يناقض التكليف ، ويوجب بطلان الثواب والعقاب ، فإن الدنيا دار امتحان واختبار ، وهو يلازم الأختيار ، لا الجبر .

الشبهة الثانية : لماذا لم يبقَ (ع) ظاهراً يعيش بين الناس ويعمل على اصلاح الدين والمجتمع ، ويدافع عن المظلومين فيقتل في سبيل ذلك ، كما كان أجداده الكرام عليهم السلام أجمعين ؟

الجواب : أولاً : إن الخروج بالسيف والقيام بالأمر بإقامة دولة الحق ، هو مبدأ المهدي (ع) بخلاف أبائه الكرام الذين كان حالهم معلوماً لسلاطين الوقت وغيرهم ، بأنهم لا يريدون الخروج عليهم - لعدم توفر الأسباب الكافية - والمعلوم من الحجة عكس ذلك ، وهذا مما يعرضه للخطر خاصة ، وانه ينتظر ويترقب الفرصة المناسبة لخروجه ، وإقامة دولة الحق وإزالة دولة الباطل ، بأذن الله تعالى .

وثانياً : أنه (ع) إذا قتل أحد أبائه الكرام (ع) ، كان هناك من يقوم مقامه ، ويسد مسده ، بخلاف المهدي (ع) إذ ليس بعده قبل قيامه من يقوم مقامه ، والله سبحانه وتعالى ، قد قدر أن يغلب الحق على الباطل .

الشبهة الثالثة : إذا كانت العلة في استتار الإمام خوفه من الظالمين واتقائه من المعاندين ، فهذه العلة زائلة في أوليائه وشيعته ، فيجب أن يكون ظاهراً لهم ، أو يجب أن يكون التكليف الذي أوجب إمامته ساقطاً عنهم لأنه لا يجوز أن يكلفوا بما فيه لطف ثم يُحرَموه بجناية غيرهم ؟
الجواب أولاً : إن السبب في ذلك هو خشية شيوع أخباره ، لكي لا يقع فيما فر منه ، فمن المعروف أن كل سر جاوز الأثنين شاع ، فالعلة في استتاره من العداء لا تمنع أن يتحدث عنه شيعته بما يؤذي إلى خوفه وإن كانوا غير قاصدين.

ثانياً : لا نقطع بأنه مستتر عن جميع أوليائه ، فإذاً لا مانع عن تصرفه في بعض الأمور المهمة بواسطة أوليائه وخواصه وانتفاعهم منه .

ثالثاً : أنه عند ظهوره (ع) من الغيبة ، إنما يعلم شخصه ، ويتميز عينه من جهة المعجز الذي يظهر على يديه ، لأنه النص المتقدم عليه من ابائه (ع) عليه (ع) لا يميز شخصه من غيره ، كما ميز النص اشخاص ابائه (ع) ، لما وقع على إمامتهم ، والمعجز إنما يعلم دلالة وحجة بضرب من الأستدلال ، والشبه معترضة لذلك وداخلة فيه ، فلا يمنع على هذا أن يكون كل من لم يظهر له من أوليائه ، فلأن المعلوم من حاله أنه متى ظهر له قصر في النظر في معجزة ، والحق به هذا التقصير عند دخول الشبهه لمن خاف منه من الأعداء ، وقلنا أيضاً أنه غير ممتنع أن يكون الإمام (ع) يظهر لبعض أوليائه فمن لا يخشى من جهته شيئاً من أسباب الخوف ، فإن هذا مما لا يمكن القطع على ارتفاعه وامتناعه ، وإنما يعلم كل واحد من شيعته حال نفسه ، ولا سبيل له إلى العلم بحال غيره .

رابعاً : لا توجد ضرورة تقتضي مشاهدة أوليائه (ع) لأنه لا يجب على الإمام (ع) أن يتولى التصرف بنفسه في الأمور الظاهرية ، بل له تولية غيره ، كما فعل في زمان الغيبة الصغرى ، أو على نحو العموم كما فعل في الغيبة الكبرى ، فنصب الفقهاء والعلماء العدول العالمين بالأحكام للقضاء وإجراء السياسات وإقامة الحدود وجعلهم حجة على الناس ، فهم يقومون في عصر الغيبة بحفظ الشرع ظاهراً وبيان الأحكام ، ونشر المعارف الإسلامية ، ودفع الشبهات ، وبكل ما يتوقف على نظم أمور الناس وغيرها .

الشبهة الرابعة : لماذا لم يجعل له (ع) نواباً خاصين في زمن الغيبة الكبرى ، كما كان الحال إيام غيبته الصغرى ؟

الجواب : عدم إدامة النيابة الخاصة منذ زمن غيبته الصغرى إلى غيبته الكبرى لسببين رئيسيين :

الأول : ان النيابة عن الإمام ، سيما الخاصة منها ، مقام رفيع ، ، فربما ادعاها من ليس أهلاً لها ، من عشاق الرئاسة كذباً ، كما وقع في أواخر غيبته الصغرى ، والناس لا يستطيعون التمييز بين المدعي فيهم والصادق .

الثاني : أن النيابة الخاصة كانت في الغيبة الصغرى مخفية . ولا يعرفها إلا الخواص ، فلو دامت لعُرفت ، وأصبح النواب في معرض الخطر .

ويمكن القول أن الحاجة التي كانت زمن الغيبة الصغرى إلى ملاقاة الإمام (ع) والتشرف بخدمته لأخد المسائل والأحكام قد ارتفعت بوفور العلم من ناحيتهم (ع) ، ووصوله إلى الناس عن طريق النواب العامين فيقضي بذلك حوائجهم في المسائل الشرعية ، ولا ضرورة تقتضي وجود النواب الخاصين .

الشبهة الخامسة : أن وجود الإمام (ع) لازم لبيان أحكام الدين وحقائقه ، وإرشاد الناس وهدايتهم ، فإن غيبة الإمام تناقض هذا الفرض ، بحيث لا يصل إليه أحد من الخلق ولا ينتفع به ، فما الفرق بين وجوده وعدمه ؟ وإذا كان الله تعالى يريد اصلاح البشرية بواسطة شخص فإنه القادر على خلقه عند اقتضاء الضرورة لذلك ، ولا حاجة إلى خلقه قبل وقته ، وقبل الأحتياج إليه بآلاف السنين ، وإذا جاز أن يكون اضافة الظالمين سبباً لغيبته بحيث لا يصل إلى مصلحتنا به ، حتى إذا زالت الإخافة ظهر ، فلِمَ لا جاز أن يكون اضافتهم له سبباً لأن يعدمه الله تعالى ؟ فإذا انقادوا وأذعنوا أوجده الله لهم ، فهو القادر على كل شيئ .

الجواب : أولاً سبق وأن قلنا أن أول ما نقر به أننا غير قاطعين على ان الإمام (ع) لا يصل له أحد ولا يلقاه بشر ، فهذا أمر غير معلوم . ولا سبيل إلى القطع عليه . ثم إن الفرق بين وجوده غائباً متقياً أعدائه ، وهو في ذلك منتظر الفرصة ليتمكن من الظهور والتصرف ، وبين عدمه واضح لا خفاء به ، وهو الفرق بين أن تكون الحجة فيما فات من مصالح العباد لا زمة لله تعالى ، وبين أن تكون لازمة للبشر ، لأن المصالح قد فاتتهم عقيب ما فعلوه وألجأوه إلى الغيبة ، فكانت العهدة عليهم والذم لازماً لهم ، إما إذا أعدمه الله تعالى ، فيكون فوت المصالح باعدامه لازم لله تعالى ومنسوباً إليه وذلك منزه عن الله تعالى ، كما فعل اليهود بأنبيائهم ، فالذم عليهم لا على الله تعالى .

ثانياً : إن من يقول بهذه الشبهه لم يدرك حقيقة معنى الإمامة ، وقد اتضح سابقاً أن مسؤولية الإمام لا تنحصر في بيان المعارف الإلهية بشكلها الصوري ، ولم يقتصر على ارشاد الناس الظاهرية ، فالإمام (ع) فضلاً عن توليه ارشاد الناس الظاهري يتصف بالولاية والأرشاد الباطني للأعمال أيضاً ، وهو الذي ينظم الحياة المعنوية ، ويتقدم بحقائق الأعمال إلى الله جل شأنه وتعالى ذكره .

وبديهي أن حضور الإمام أو غيبته الجسمانية في هذا المضمار ليس له أي تأثير ، والإمام عن طريق الباطن يتصل بالنفوس ، ويشرف عليها ، وإن بَعُدَ عن الأنظار وخفي عن الأبصار ، فإن وجوده لازم دائماً ، وإن تاخر وقت ظهوره واصلاحه للعالم .

الشبهة السادسة : إذا كان الخوف قد اقتضى أن المصلحة في استتاره وتباعده ، فقد تغيرت الحال إذاً في المصلحة بالإمام واختلف ، وصار ما توجبونه من كون المصلحة مستمرة بوجوده وامره ونهيه مختلفاً على ما ترون ، وهذا خلاف مذهبكم ؟

الجواب : إن المصلحة التي توجب استمرارها على الدوام بوجوده ، إنما هي للمكلفين ، وهي لم ، ولن تتغير ، وإنما اقتضى الخوف من الظالمين أ ن يكون من مصلحته هو(ع) في نفسه الأستتار والتباعد ، وما يرجع إلى المكلفين به لم يختلف ، ومصلحتنا وإن كانت لا تتم إلا بظهوره وبروزه ، فقد قلنا أن مصلحته الأن في نفسه في خلاف الظهور ، وذلك غير متناقض ، لأن من أخاف الإمام واحوجه إلى الغيبة ، وإلى ان يكون الأستتار من مصلحته ، قادر على أن يزيل خوفه فيظهر ويبرز ويصل كل مكلف إلى مصلحته ، والتمكن مما يسهل سبيل المصلحة تمكن من المصلحة ، فمن هذا الوجه لم يزل التكليف الذي الإمام لطف فيه عن المكلفين بالغيبة منه والأستتار . وهذا كما كان في استتارة الرسول (ص) بالغار وغاب عن قومه بحيث لا يعرفونه ، لأننا نعلم أن المصلحة بظهوره وبيانه كانت ثابته غير متغيرة ، ومع هذا الحال فإن المصلحة له في الأستتار والغيبة عند الخوف .

الشبهة السابعة : أن استتار الإمام وغيبته على الدوام ، صار ذلك سبباً لنفي ولادته وانكار وجوده ، وكيف يجوز أ ن يكون إماماً للخلق وهو لم يظهر قط لأحد منهم ، على عكس أبائه حيث كانوا ظاهرين يفتون في الأحكام ويرشدون عند المعضلات ، وإن كانوا غير أمرين فيما يتعلق بالإمامة ؟ .

الجواب / أما الأستتاروالغيبة فقد قلنا ان سببهما إخافة الظالمين ، ومن أخيف على نفسه فقد أحوج إلى الاستتار ، ولم تكن الغيبة على ما هي عليه الأن ، فقد كان ظاهراً لأوليائه غائباً عن اعدائه ، ولما اشتد الخوف وزاد الطلب ، استتر .

واما كون ذلك سبباً لنفي ولادته (ع) ، فلم يكن سبباً لشئ من ذلك إلا بالشبهه وضعف البصيرة عن النظر الصحيح . وما كان التقصير داعياً إليه ، والشبهة سببٌ من الأعتقادات وعلى الحق فيه دليل واضح بادٍ لمن أراده ، ظاهراً لمن قصده ، وليس يجب المنع في دار التكليف والمحنة منه ، ألا ترى أن تكليف الله تعالى باق على من علم كفره ، وقد صار ذلك سبباً لاعتقادات كثيرة باطلة كالملاحده والمجبرة والثنويه وأصحاب التناسخ وغيرهم ، فالتقصير منهم لا من الله ، ولم يكن دخول الشبهة بهذه الأمور على من قصر في النظر ، وانقاد إلى الشبهة مع وضوح الحق له لو أراده موجباً على الله دفعها حتى لا يكلف المؤمنين ، ولا يؤلم إلا البالغين .

وأما الفرق بينه وبين آبائه (ع) فواضح ، لأن خوف من يشار إليه بانه القائم المهدي الذي يظهر بالسيف ويقهر الأعداء ويزيل الدول والممالك لا يكون كخوف غيره ممن يجوز له مع الظهور والتقية وملازمة منزله ، وليس من تكليفه ، ولا مما سبق انه يجري على يده الجهاد واستيصال الظالمين

المهدي (ع) وعلائم ظهوره :

وردت الأخبار عن الرسول (ص) واهل بيته (ع) في بيان علائم الظهور وهي كثيرة جداً ، وهي ليست خرافات ولا كان القاؤها رجم بالغيب بل حقائق أخبر بها صادق عن صادق عن جبرائيل عن الله تعالى ، نعم منها ما هي خاصة ، ومنها ما هي عامة ، ومنها حتمية ومنها معلقة (غير حتمية) ، ومنها واقعة ومنها غير واقعة .

أولاً العلائم الخاصة : وهي التي تختص معرفتها به (ع) ، ولا يكون لغيره نصيب فيها ومنها :

- أن له عِلْمٌ إذا حان وقت خروجه انتشر ذلك العلم بنفسه ويخاطبه بالخروج بامره تعالى .
- أن له سيفاً مغمداً ، إذا حان وقت خروجه ، اقتلع ذلك السيف من غمده ، ويأمره من ناحية الله تعالى بالخروج .
- رؤيته (ع) جبرائيل(ع) وأمره بالخروج بأمرالله تعالى .
- انه ينكت في قلبه (ع) .

ثانياً العلائم العامة : وهي التي لا تختص معرفتها به (ع) ، بل يعرفها عامة الناس ، فتكون علاميتها للعموم أو لبعض الطوائف ، وتنقسم إلى قسمين :
ألف / العلائم الحتمية : وهي العلائم التي تقع حتماً ، ولا يكون فيها تخلف ، والتي أخبر بها المعصومون (ع) عن الله تعالى وعُد منها عشرة ، وليس الترتيب ههنا ترتيباً واقعياً بل ترتيب ذكري :
-1 خروج الدجال . -2 الصيحة . -3 خروج السفياني . -4 خسف الجيش السفياني بالبيداء . -5 قتل النفس الزكية وهو محمد بن الحسن ( ذو النفس الزكية ) بين الركن والمقام . -6 خروج السيد الحسني . -7 كف تطلع من السماء . -8 كسوف الشمس في النصف من شهر رمضان ، وخسوف القمر في أخره على خلاف العادات . -9 النداءات الثلاثة التي تسمعها كل الخلائق .
الأول : نداء ألالعنة الله على القوم الظالمين .
الثاني : أزفت الأزفة .
الثالث : ظهور بدن يرى في السماء أمام جرم الشمس ، ويظهر صوت منه ، هذا أمير المؤمنين قد رجع إلى الدنيا لهلاك الظالمين .
-10 اختلاف بني العباس وانقراض دولتهم .

باء / العلامات غير الحتمية ( وتسمى المعلقة ) : وهي التي تكون معلقة بارادة الله تعالى ومشئته ، فإذا تعلقت مشئته بها تقع ، وإلا فلا تقع ، بمعن أنها قد تقع لمصالح وقد لا تقع بسببها أيضاً ، وتنقسم إلى قسمين أيضا :

القسم الأول : العلامات المعلقة الواقعة : وهي التي وقعت في الخارج على ما أخبر به المعصومون (ع) إلى زماننا هذا وهي كثيرة :

الأولى : البلايا العامة التي ابتلى بها أكثر الناس في أكثر الأزمنه .
الثانية : ظهور ستين شخصاً يدعون النبوة بالكذب .
الثالثة : ظهور اثنى عشر نفراً من السادة يدعون الإمامة .
الرابعة : اتصال جسر بغداد بمحلة الكرخ ، أي ما بين بغداد الجديدة والقديمة .
الخامسة : جعل المقابر مساجداً .
السادسة : خراب بغداد .
السابعة : خراب جدار مسجد الكوفه مما يلي دار عبدالله بن مسعود .
الثامنة : جريان شط الفرات في أزقة الكوفة .
التاسعة : عمارة بلدة الكوفة بعد خرابها .
العاشرة : طغيان الماء في النجف .
الحادية عشر : إنشقاق نهر من فرات إلى غري .
الثانية عشر : بناء القبة الحمراء .
الثالثة عشر : ظهور نجم ذي ذنب .
الرابعة عشر : ظهور القحط الشديد .
الخامسة عشر : وقوع الزلزلة والطاعون في أكثر البلاد .
السادسة عشر : مجيء الجراد في حينه وفي غير حينه .
السابعة عشر : خراب البصرة بيد شخص ملقب بصاحب الزنج .
الثامنة عشر : قتل بيوح ، أي قتل دائم لا يهدأ فيكون فيه استباحة الدماء .
التاسعة عشر : امتلأ الأرض من الظلم والفسق .
العشرون : عودة الإسلام إلى الغربة كما بدأ .
الواحد والعشرون : تحلية المصاحف وزخرفة المساجد وتطويل المنار .
الثانية والعشرون : اقتران بعض النجوم .
الثالثة والعشرون : خراب مسجد براثا .
الرابعة والعشرون : أنهدام الكعبة .

القسم الثاني : العلامات المتعلقة غير الواقعة وهي التي لم تقع ، والتي يحتمل وقوعها ، ويحتمل التغيير والتبدل فيها بمشئته تعالى وهي كثيرة نذكر منها :

الأولى : توقف الشمس في وسط السماء من أول الزوال إلى العصر .
الثانية : طلوع الشمس من المغرب .
الثالثة : خروج اليماني من اليمن .
الرابعة : خروج الخراساني .
الخامسة : خروج المغربي إلى ناحية مصر ، وتصاحبه لها .
السادسة : اختلاف الرايات في الشام وخروج ثلاثة أشخاص .
السابعة : سقوط الجانب الغربي من مسجد الشام .
الثامنة : خراب الشام من القتل والأنتهاب .
التاسعة : خسف قرية بالشام تسمى بالجابية .
العاشرة : خروج النار من المشرق ومكثها إلى ثلاثة أيام أو سبعة أيام بين الأرض والسماء .
الحادية عشر : ظهور حمرة شديدة في أطراف السماء .
وهناك علامات كثيرة جداً تطلب من مظانها .

أما بشان خروجه وظهوره ، وما يحدث بعده ، فقد تواترت الأخبار من الفريقين عن الرسول (ص) وعن أهل بيته (ع) ، وأنه لابد من يوم ظهوره (ع) بالقوة ، حتى تجتمع أهل الأرض على شريعة الرسول (ص) .

اللهم عجل فرجه ، وسهل مخرجه ، واجعلنا من أنصاره ومواليه ، واجعلنا من خير مرضييه ، أمين رب العالمين ، وصلِ اللهم على محمد وآله الطيبين الطاهرين .

[ الصفحة السابقة ] [ البداية ]