المطلب الثالث: الكلام في " ليذهب " : يستعمل مفهوم الإذهاب على ضربين : مرة يُطلق ويراد منه إزالة الشيء عن المحل بعد ثبوته، كقول الفقيه: " الماء يذهب القذارة والنجاسة" أو " أذهبت التوبة والإنابة ذنبي" . وتارة يُطلق ويراد منه دفع الشيء عن المحل قبل عروضه وإن كان المحل ممكناً في حد ذاته لعروضه، كقولك لخليلك: " أذهب حبك والوصول إليك مشقة الطريق عنّي " أو أذهب الله عنك السوء والبلاء " أو كقولك للحفار " ضيق فم الرّكية "، وكقول النحاة: " جرِّد المبتدأ عن العوامل اللفظية "، أو " إن مصيبة فلان أذهب عني النوم " . أي فإن حبك والوصول إليك يمنع عروض التعب عليَّ، و فإن الله يدفع عنك السوء والبلاء، و فإن الحفار يضيّق فم الرّكية من بدء الأمر، والمبتدأ جاء ابتداءً من دون العوامل اللفظية . و فإن هذه الأمثال كلها للدفع بخلاف الأمثال الأولية، فإن الماء أذهب القذارة بعد عروضه في المحل، والتوبة والإنابة أذهب الذنبَ بعد وقوعه في النفس . واللام في هذه الآية الكريمة، هي لام التأكيد، وهي متعلقة بمحذوف تقديره وإرادته تعالى ليذهب عنكم الرجس . ولا يقال: أن الفعل هنا بصيغة المضارع، فيقتضي أن الله تعالى سيذهب عنهم (ع) الرجس فيما بعد، وعليه فهم معصومون بعد نزول الآية، لكن لا دلالة في الآية الشريفة على أنهم معصومون قبلها ؟! . لأن الآية الشريفة هي من قبيل الدفع أو المنع، لا من قبيل الرفع ، أي إرادة منع الرجس عنهم قبل عروضه، وإرادة إثبات التطهير لهم (ع) . وبمعنى آخر، أن الآية تتضمن دعاءً بالتطهير، وإذهاب الرجس . فقول القائل للمريض: "عافاك الله"، يعني دعاء للمريض برفع المرض وزواله. أما قول القائل لآخر غير مريض:"عافاك الله"، يعني دعاء لهذا الشخص غير المريض بعدم نزول المرض والسوء عليه . فالآية الشريفة من قبيل الفرض الثاني لا الأول، لأنه لم يعهد عنهم عليهم السلام ما ينافي العصمة . فـ" ليذهب" متعلق بـ" يريد"، إذاً فهي مترابطة مع الإرادة التكوينية، وعليه فلا بد أن يكون الإذهاب تكويني أيضاً، فتثبت العصمة . المطلب الرابع: الكلام في " الرجس " : سبق وأن تحدثنا عن مفهوم الرجس لغوياً في مقدمة البحث، ونقوم الآن بالبحث عن ماهية الرجس المراد في الآية الشريفة : مفهوم الرجس على ما قال الراغب في " المفردات ": " الرجس الشيء القذر، والرجس يكون على أربعة أوجه: إما من حيث الطبع، وإما من جهة العقل، وإما من جهة الشرع، وإما من كل ذلك، فإن الميتة تعاف طبعاً وعقلاً وشرعاً، والرجس من جهة الشرع الخمر والميسر، وجعل الكافرين رجساً من حيث أن الشرك بالعقل أقبح الأشياء " . وقال ابن منظور في " لسان العرب": " قال الزجاج: الرجس في اللغة اسم لكل ما استقذر من عمل. قالوا: رَجسَ نَجسَ. والرجس المأثم..وفي حديث:لما ولد رسول الله (ص) ارتجس إيوان كسرى، أي اضطرب. وفي الحديث: إذا كان أحدكم في الصلاة فوجد رجساً فلا ينصرف حتى يسمع صوتاً. ورجس الشيطان وسوسته. والرِّجس الشك، والعقاب" . ثم إن الرجس الذي هو معرّف ومحلى بالألف واللام في الآية- وتلك اللام هي لام الجنس-، وإن كان في حد ذاته لا يفيد العموم، لأنه في سياق الإثبات، إلا أنه يفيده باعتبار وقوعه مفعولاً " ليذهب "، لأن الإذهاب في معنى سلب الرجس ونفيه، ولا يصدق سلبه إطلاقاً إلا بانتفاء كل فرد منه، خصوصً مع قوله تعالى " ويطهركم تطهيراً "، وضرورة عدم حصول التطهير برفع بعض الأقذار دون بعض . فبناءً على هذا تدل الآية على تنزههم عليهم السلام عن كل رجس يصدق عليه عنوان الرجس، سواء كان ذنباً أو غير ذنب، بل مطلق اتباع الهوى ولو في المباحات . والرجس ما عرفته، وإنما أراد الله تعالى بحصر الإذهاب عنهم، لإفهام البشر أجمعين، أنهم عليهم الصلاة والسلام أشرف مخلوقاته من الأولين والآخرين، وليس لأحد أن يزاحمهم في مناصبهم ويشاركهم مناقبهم التي اختصهم الله سبحانه بها، فضلاً عن أخذ حقوقهم وغصب مقامهم ومراتبهم التي أوجبها الله لهم، فهم دون الخالق وفوق المخلوقين، فلا يقاس بهم أحد . وقد عرفت سابقاً في البحث اللغوي للرجس، بعض الآيات التي ذكرت الرجس في القرآن الكريم، وعرفت أنها كلها تعني الرجاسة المعنوية، وهي التي ترجس الإنسان وتخرجه عن العقلية والإيمان ورحمة الرحمن، وأن مرض القلب وعمل الشيطان واتباعه، دركات يشملها الرجس، فذهابه أيضاً درجات تشمل إذهاب الرجس، والجنس المحلى بالألف واللام ( الرجس) يستأصل نفسه في نفيه، لما عرفت من أنها لام الجنس، فكل أنواع الرجس مهما كان نوعها، مسلوبة عن أهل البيت سلام الله تعالى عليهم . إذاً فجنس الرجس أياً كان، بعيد عنهم وعن ساحتهم من رجس الفطرة والعقلية والفكرة والقلب والنية والعمل، وكل إنسان يعمل على شاكلته، لا غبرة على أرواحهم، وإنما نور على نور، لا ينقصهم إلا أنهم مخلوقون، ثم الفقر إلى ربهم الرحيم فخرهم . كل قلب يتقلب إلى غير الله تعالى، إلا تذرعاً أو تضرعاً إلى الله تعالى، فيه رجس، قدر اتجاهه إلى غير الله، وكل اتجاه في أدق منحنيات الحياة ومتجهاتها إلى غير الله رجس، والمتدلي بالله تعالى، دونما البقاء لغير الله، خارج عن كل رجس، وهكذا " يريد الله ليذهب عنكم الرجس " . أترى بعد أن أذهب الرجس عنهم، هو رفعة عن ساحتهم بعد كونه ؟ ولا يذهب رجساً هكذا إلا بتوبة . أم أي تكفير يناسبه ؟ وهذا يعم سائر أهل الرجس دون اختصاص، وهذا من فعل صاحب الرجس أن يذهب رجسه بتوبته، والعصمة لا تحل محل الوصمة، اللهم إلا في أدنى أدانيها بمعصية صغيرة بعد توبة كآدم سلام الله تعالى عليه. إن إذهاب كل الرجس عن أهل البيت عليهم السلام بدفعه عنهم حين يعتريهم أو يهجم عليهم ببواعثه، تسديداً لهم بما حاولوا، وانتجبهم الله تعالى عن كل رجس، شفا في قلب، أو جهلاً بواجب الشرعة أو المعرفة، أو خطأ في فكره، أو زلفاً في فعل، في عصمة عليا بمثلها، تلقياً للوحي، وإلقاء له، وتطبيقاً إياه . و هناك محاولات بشرية لإذهاب الرجس عن أنفسهم رفعاً أو دفعاً، وليست لتكفي استئصالاً لكل رجس، وأهلها مخلصون . وهنا في الآية الكريمة إرادة دائبة إلهية، تكفي محاولات قمة من أخلص المخلصين، فتستأصل عنهم كل رجس، وأهلها مخلصون أيضاً . وأياً كان الرجس، فهو إدراك نفساني وأثر شعوري من تعلق القلب بالاعتقاد الباطل أو العمل السيئ . وإذهاب الرجس، إزالة كل هيئة خبيثة في النفس، تخطئ حق الاعتقاد والعمل، تنطبق على العصمة الإلهية التي هي صورة نفسانية تحفظ الإنسان من باطل الاعتقاد وسيئ العمل . وكما عرفت أن اللام في " الرجس " لام الجنس، أي مطلق الرجس . على أنك عرفت أن إرادة التقوى أو التشديد في التكاليف لا تلائم اختصاص أهل البيت عليهم السلام . وعرفت أن إرادة ذلك لا تناسب مقام النبي صلى الله عليه وآله من العصمة . فمن المتعين حمل إذهاب الرجس في الآية على العصمة، ويكون المراد بالتطهير في قوله تعالى " ويطهركم تطهيراً " - وقد أكد بالمصدر- إزالة أثر الرجس بإيراد ما يقابله بعد إذهاب أصله، ومن المعلوم أن ما يقابل الاعتقاد بالباطل هو الاعتقاد بالحق، فتطهيرهم هو تجهيزهم بإدراك الحق في الاعتقاد والعمل، ويكون المراد الإرادة أيضاً غير الإرادة التشريعية، لما عرفت أن الإرادة التشريعية التي هي توجيه التكاليف إلى المكلف لا تلائم المقام أصلاً . والمعنى أن إرادة الله سبحانه وتعالى، تستمر أن يخصكم بموهبة العصمة بإذهاب الاعتقاد بالباطل وأثر العمل السيئ عنكم أهل البيت، وإيراد ما يزيل اثر ذلك عليكم وهي العصمة . المطلب الخامس: الكلام في " ليطهركم تطهيراً " : سبق وأن تطرقنا إلى الطهارة في البحث اللغوي، وقلنا أن الطهارة على قسمين، الطهارة الظاهرية الجسمانية، والطهارة النفسانية. ومن غير الصحيح حمل الطهارة الآية الشريفة على الطهارة الجسمانية فقط، لأنها لا تختص بأهل البيت عليهم السلام، بل لا تختص حتى بالمسلمين . فكما " ليذهب عنكم الرجس " يجتث في نفي جنس كل رجس، لـ" للام الجنس "، كذلك " ويطهركم تطهيراً " مختص بإثبات كل طهارة، أعني الطهارة من القذارة الظاهرية، والطهارة من القذارة الباطنية، فالسلب مطلق كما الإيجاب، والايجاب مطلق كما السلب، تخلية عن كل نقص، إلا أنهم مخلوقون، وتحليه بكل كمال دون أنهم ليسوا بخالقين، فقد يصدق فيهم ما يقال عنهم عليهم السلام: " نزهونا( نزلونا) عن الربوبية وقولوا فينا ما شئتم "، فهنا طهارة متصلة بهم، متعرقة فيهم، متزرّعة في قلوبهم، هي العصمة الضافية . وهناك طهارة منفصلة عنهم، وهي للمتصلين بهم، المنسوبين إليهم، يريدها الله منهم للحفاظ على محتد الطهارة لأهل بيت النبوة الأصول، فطهارة نساء النبي ( ص) وأقربائه وأنسبائه، لها تأثير منفصل في طهارته عند الناس، وليس الله ليريد الطهارة لأهل البيت الطهارة أنفسهم، ثم يهمل طهارتهم عند الناس، فليكونوا وجهاء عند الله ليصلحوا دعاة إلى الله، ووجهاءً عند الناس، ليتجه بهم الناس إلى الله تعالى . فقوله تعالى" ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً "، استعار الرجس للمعصية والترشيح بالتطهير، لمزيد التنفير عنها، وفي هذا ما فيه، من أعظم الرعاية الربانية والعناية الخاصة لأهل بيت النبي صلى الله عليه وعليهم، وهذا هو طهر خالص، لا تعلق به شائبة من دنس أو رجس، وقد أتى بالمفعول المطلق " تطهيراً " ليعلم أن هذا النوع من الطهارة ليس مما يتعارف عليه عند الناس، بل هو تطهير فوق تطهير خاص بأهل البيت، لا يشاركهم فيه أي كائن، مهما كان ، لأن الطهر للتقوى، ولأن المقترف للقبيح يتدنس به، كما يتلوث جسده بالأرجاس . ومن غير ريب في أن المقصود من أداة الحصر هم أهل البيت وهم المعصومون، كما يدل عليه السياق بلفظ "عنكم" لا "عنكن"، وجيء بجملة معترضة، اهتماماً بشأن أهل البيت، وتأديباً لأزواج النبي صلى الله عليه وآله، حيث يردن تارة الحياة الدنيا، كما صرح جلا وعلا :" يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها "، وأخرى نهين عن الفاحشة وهددن بقوله تعالى:" يا نساء النبي من يأتِ منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين"، وثالثة نهين عن تشبههن بغيرهن من نساء الأمة بقوله عز وجل:" يا نساء النبي لستن كأحد من النساء"، ورابعة أمرهن بلزوم بيوتهن وألا يغشين المجالس والطرقات:" وقرن في بيوتكن"، وخامسة نهين عن تبرج الجاهلية الأولى:" ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى"، وسادسة:" أمرن بالصلاة والزكاة:" وأقمن الصلاة وآتين الزكاة"، وسابعة أمرن بطاعة الله تعالى وأمر رسوله:" واطعن الله ورسوله". كل ذلك يدل على أن آية التطهير لا تناسب بحال نساء النبي صلى الله عليه وآله أبداً . وهذا مما لا ينكره من له أدنى فهم وإنصاف، وكان خالياً عن العصبية الجهلاء، والتقاليد العمياء….. وفي تفسير الفخر: في قوله تعالى:" إنما يريد الله…." قال: فيه لطيفة، وهي أن الرجس قد يزول عيناً ولا يطهر المحل، فقوله تعالى:" ليذهب عنكم الرجس" أي يزيل عنكم الذنوب، " ويطهركم" أي يلبسكم خلع الكرامة . دلائل العصمة في الآية الشريفة: وبعد أن اتضح لك الكلام في تلك المطالب الخمسة، وعرفت ما عرفت من عصمتهم، نعيد ذلك باختصار. يمكن أن نثبت عصمة أهل البيت الخمسة عليهم الصلاة والسلام، في الآية الشريفة بما يلي: 1- حصر الآية الشريفة في إذهاب الرجس والطهارة، بأداة الحصر والتأكيد"إنما"، ولم تحصر في غيرهم مطلقاً، وعليه فلا بد لهم من خصوصية العصمة . 2- أن الإرادة في الآية الشريفة هي إرادة تكوينية لا تشريعية، فهي تتعلق بالله تعالى، وهذه الإرادة لا تتخلف قط، وأن هذا النوع من الإرادة، موجبة للعصمة ولا تنفك عنها، إذ لا مدح في الإرادة المجردة، وفي ثبوت الإرادة التكوينية ثبوت عصمة المعنيين في الآية من جميع القبائح . . 3- إن التأكيد الثاني في الآية الكريمة هو: اللام في " ليذهب"، إذاً قلا بد من إذهاب الرجس، وإيجاب التطهير، وإذهاب مطلق الرجس بعني العصمة، وكذلك إيجاب مطلق الطهارة . 4- تقديم "عنكم" على "الرجس"، ما يدل على اختصاص التطهير وإذهاب الرجس بهم فقط، واختصاص التطهير يدل على العصمة، كما عرفت . 5- أن "الرجس" محلّى بألف ولام الجنس، إذاً فكل شيئ يطلق عليه رجساً، فهو بعيد عن أهل البيت عليهم السلام، بغض النظر عن أنواعه، والابتعاد عن كل رجس، فالآية الشريفة تعلن نفي ماهية الرجس، بنحو العام الاستيعابي عن أهل البيت المذكورين،والرجس على ما عرفت أنه: كل ما يوجب نقصاً في الروح، واضطراباً في الرأي، ومن المعلوم أن المعصية، والسهو والخطأ والنسيان، من الرجس أيضاً، فعلى هذا تكون الآية من أدلة العصمة. وفي نفس الوقت تكون مضادة للآيات المربوطة بأمهات المؤمنين . 6- أتى الفعل في " ليذهب " و " يطهركم " بصيغة المضارع، مما يدل على الوقوع والاستمرارية، فيثبت المطلوب، وهي العصمة . 7- بلحاظ " إنما " التي تدل على ثبوت الطهارة من الذنوب والمعاصي لأهل البيت عليهم السلام، دون غيرهم، يثبت حصر إذهاب الرجس وثبوت الطهارة فيهم (ع)، ولا معنى للعصمة إلا الطهارة من الذنوب والمعاصي . 8- تأكيد إذهاب الرجس، بإثبات الطهارة التكوينية، فـ" ويطهركم"، إضافة لإذهاب الرجس، يعني التأكيد في ثبوت العصمة. 9- خُتتمت الآية الشريفة بالمفعول المطلق وهو " تطهيراً "، مما يدل على غاية التطهير الكامل المطلق وزيادة تأكيده، فيثبت مطلوبنا أيضاً، فقول أحدهم " ضربت الولد ضرباً " يدل على تأكيد الضرب . 10- إن سياق الخطاب لنساء النبي صلى الله عليه وآله، سياق تهديد ونصح ووعظ، في حين أن آية التطهير ذات سياق الثناء والتمجيد، فلا يتناسب السياقان، وهذا يدل على عصمة أصحاب سياق الثناء . 11- أن المقام يقتضي المدح والتشريف لمن نزلت الآية فيه، حيث جللهم بالكساء ولم يدخل فيه غيرهم، وخصصهم بدعائه فقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي وحامتي، على ما سبق في الأخبار، وكذا التأكيد في الآية حيث أعاد التطهير بعد بيان إذهاب الرجس، والمصدر بعده منونا بتنوين التعظيم . فالعصمة: عبارة عن لطف يفعله الله تعالى بالمكلف، بحيث لا يكون له داعٍ إلى ترك الطاعة وارتكاب المعصية مع قدرته عليها . أو هي: عبارة عن الملكة المسيطرة على الحواس يديرها العقل، تمنع صاحبها من مخالفة التكاليف الشرعية مع قدرنه على مخالفتها . وإنما قلنا مع قدرته مع قدرته على مخالفة التكاليف الشرعية، لئلا يستلزم الجبر، والجبر كما هو معلوم باطل لأنه لا يبقي مجال للثواب والأجر، ويتنافى مع التكاليف الشرعية، ويلزم الإكراه في الدين، ويلزم أن يكون المعصوم لأقل مرتبة وأدناها من صلحاء المؤمنين القادرين على المعصية، التاركين لها باختيارهم . وتارة ثالثة تعرف: أن يكون في الإنسان - بلطف الله تعالى - وازع يمنعه عن العصيان مطلقاً، بدون لأن ينافي ذلك اختياره . وخير مثال على العصمة: أن الإنسان يستطيع أن يغرف البول بيديه، ولكنه يستقذر أن يلامس البول بيديه، بحكم طبيعته البشرية، بغض النظر عن الاعتبارات الأخرى. وكالأم الحنون التي فيها وازع يمنعها عن قتل ولدها، وهذا الوازع منه سبحانه وتعالى، ولا ينافي اختيارها. فكذلك النبي أو الامام يستقذر أن يرتكب المعصية، ولديه وازع يمنعه من ارتكابها، كما يستقذر الإنسان البول لوازع، ولا يجب أن يكون كل معصوم إمام، نعم كل إمام معصوم . وسنوافيك بأقوال أعلام السنة حول آية التطهير، فارتقب . [ الصفحة السابقة ] [ البداية ] |