المبحث الثاني : المبحث اللغوي : ويقع في توضيح  ثلاثة معان :

       أولاً : المعنى اللغوي  للرجس :

              الرجس ـ بالكسر فالسكون ـ، صفة من الرجاسة وهي القذارة، وهي كل قذر مادي( أي حسي ) ومعنوي ، والقذارة هيئة في الشيء توجب التجنب والتنفر منها، وما يستقذره الإنسان مادياً أياً كان، أو معنوياً أياً كان، فهو أعم من النجس، إذ يخص به القذر المادي، ويطلق على ما يستقبح في الشرع، والفطر السليمة من الحرام، والفعل القبيح والعمل السيئ، والنجس والعذاب والرجز، والشيء القذر والغضب والعقاب والنتن، وما لا خير فيه، واللعنة والكفر والنفاق و وسوسة الشيطان والسك في الدين الحق. وتكون بحسب ظاهر الشيء، كرجاسة الخنزير، وبحسب باطنه ـ وهو الرجاسة والقذارة المعنوية ـ كالشرك والكفر والنفاق والشك في الدين الحق وأثر العمل السيئ .

       والرجس ـ بفتح الراء وسكون الجيم وفتحها ـ: شدة الصوت، وصوت الشيء المختلط العظيم، كالجيش والسل والرعد والانفجار، فكان الرجس هو العمل الذي يقبح ذكره، ويرتفع في القبح .

       قال الله العظيم { كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون الأنعام 125، أي الكفر أو العقاب والغضب .  وفي دعاء الوتر " وأنزل عليهم غضبك"، وقال تعالى{ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون}يونس 100، أي يجعل الضلال أو الشك والريب على أهل العناد والجحود. وقيل العذاب . وقال: {فاعرضوا عنهم انهم رجس}التوبة95 ، أي قذر لخبث باطنهم، فكان رجس النفاق والكفر والفسق قد أحاطت بهم بحيث صاروا هم عين الرجس. وقال: { قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب }الأعراف71 , أي لعنة أو رجز وعذاب. وقال { إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه} المائدة90 ، أي وسوسة وإلقاء أو قبيح وخبيث يزينه الشيطان. وقال : { فاجتنبوا الرجس من الأوثان }الحج30 ، أي الشرك الكائن في عبادة الأوثان . وقال : { إلا أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير فإنه رجس }الأنعام 145. أي نجس وحرام . وقال تعالى { وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجساً إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون } التوبة 125 . أي شكاً ونفاقاً جديداً على شكهم ونفاقهم السابق .وقال { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً } . أي الشك في الدين .  

       ثانياً : المعنى اللغوي  لأهل البيت :                      

       هذا اللفظ مركب من كلمتين ، ولكلٍ مفهوم ، ويمكن تحديد مفهوم ( الأهل ) من موارد استعماله فيقال :

       1_ أهل الأمر والنهي.                   2_ أهل الإسلام.                      3_ أهل الكتاب .

       4_ أهل الرجل .                          5_ أهل الماء .

       وهذه الموارد توقفنا على أن كلمة ( أهل ) تستعمل مضافاً فيمن كان له علاقة قوية بمن أضيف إليه، فأهل الأمر والنهي هم الذين يمارسون الحكم والبعث والزجر، وأهل الإسلام هم الذين لهم اعتقاد به، وكذلك أهل الكتاب، كأهل الإنجيل، وأهل التوراة وأهل الزبور .

       وقد اتفقت كلمة أهل اللغة على أن الأهل والآل كلمتان بمعنى واحد، قال ابن منظور: آل الرجل: أهله، وآل الله وآل الرسول: أولياؤه، أصلها أهل ثم أبدلت الهاء همزة فصارت في التقدير أأل، فلما توالت الهمزتان، أبدلوا الثانية ألفاً، كما قالوا: آدم وآخر، وفي الفعل آمن وآزر .

       وقد أنشأ عبد المطلب (ع) عند هجوم أبرهة على مكة المكرمة، وقد أخذ حلقة باب الكعبة وقال :

                        وانصر على آل الصليب              وعابديه اليـــــــــــــوم آلك

       وعلى ما ذكرناه، فهذا اللفظ إذا أضيف إلى شيئ بقصد منه المضاف الذي له علاقة خاصة بالمضاف إليه، فأهل الرجل مثلاً هم أخص الناس به، وأهل المسجد، المترددون كثيراً إليه، وأهل الغابة القاطنون فيها....... فإذا لاحظنا موارد استعمال هذه الكلمة لا نتردد في شمولها للزوجة والأولاد، بل وغيرهم ممن تربطهم رابطة خاصة بالبيت من غير فرق بين الأولاد والأزواج، ولأجل ذلك ترى أنه سبحانه يطلقه على زوجة إبراهيم كما عرفت في الآية .

       قال ابن منظور: أهل البيت سكانه، وأهل الرجل أخص الناس به، وأهل بيت النبي: أزواجه وبناته وصهره ، أعني علياً، وقيل نساء النبي والرجال  الذين هم آله لسان العرب : 11/29 ، مادة  " أهل " .

       وقال ابن فارس ناقلاً عن الخليل بن أحمد: أهل الرجل: زوجه، والتأهل، التزوج ، وأهل الرجل: أخص الناس به، وأهل البيت: سكانه، وأهل الإسلام: من يدين به معجم مقاييس اللغة : 1/150 .

       وقال الراغب في مفرداته: أهل الرجل من يجمعه وإياهم نسب أو دين أو ما يجري مجراها من صناعة وبيت وبلد، فأهل الرجل في الأصل من يجمعه وإياهم مسكن واحد، ثم تجوز به فقيل، أهل الرجل لمن يجمعه وإياهم النسب، وتعورف في أسرة النبي عليه الصلاة والسلام مطلقاً إذا قيل أهل البيت المفردات : 29 .

       وقال الفيروزآبادي: أهل الأمر: ولاته، وللبيت سكانه، وللمذهب من يدين به، وللرجل زوجته كأهله، وللنبي أزواجه وبناته وصهره علي ـ رضي الله تعالى عنه ـ أو نساؤه والرجال الذين هم آله .

       هذه الكلمات ونظائرها بين أعلام أهل اللغة كلها تعرب عن أن مفهوم أهل البيت في اللغة هم الذين لهم صلة وطيدة بالبيت، وأهل الرجل من له صلة به بنسب أو سبب أو غيرهما .

       والعجب كل العجب من إحسان الهي ظهير الذي ينقل النصوص من أئمة اللغة وغيرها، ثم يستظهر أن أهل البيت يطلق أصلاً على الأزواج خاصة، ثم يستعمل في الأولاد والأقارب تجوّزاً . واستشهد على كلامه بآية 73،  من سورة هود.

وقال: فاستعمل الله عز وجل هذه اللفظة على لسان ملائكته في زوجة إبراهيم عليه السلام لا غير، وهكذا قال الله عز وجل في كلامه المحكم في قصة موسى عليه الصلاة والسلام { فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله آنس من جانب الطور ناراً قال لأهله امكثوا إني آنست ناراً }القصص : 30، فالمراد من الأهل زوجة موسى عليه السلام وهي بنت شعيب.

       نحن نسأل الكاتب من أين استظهر من كلمات أهل اللغة أن ( الأهل ) تطلق أصلاً على الأزواج ثم تستعمل في الأولاد تجوزاً ؟!

       ثم نسأله عن دلالة الآيتين على اختصاص الأهل بالأزواج، وهل في منطق اللغة والأدب جعل الاستعمال دليلاً على الانحصار؟ فلا شك أن الأهل في الآيتين أطلق على الزوجة، وليس الإطلاق دليلاً على الانحصار، على أنه أطلق في قصة الخليل وأريد الزوج والزوجة معاً، أي نفس الخليل بشهادة قوله تعالى { عليكم أهل البيت } والإتيان بضمير الجمع المذكر، وإرادة واحد منهما وحمل الخطاب العام على التعظيم لا وجه له .

       فإذاً، فالمفهوم العام قد يطلق ويراد منه جميع الأصناف والأقسام، كما يطلق ويراد منه حسب القرائن بعضهم ، وقد عرفت أن المراد في قصة موسى زوجته، وفي قصة إبراهيم زوجته، وعلى هذا فلا شك في شمول كلمة أهل البيت للزوجة والأولاد وغيرهما، إلا أن تقوم قرائن على أن المراد صنف خاص، والمدعى أنه قد قامت قرائن على إرادة صنف خاص منهم، في الآية الشريفة في سورة الأحزاب .     

       وعلى كل حال فقد وردت كلمة ( الأهل ) في القرآن الكريم على عدة معان ، نحصيها لك :

      الأول: الزوجة: أهل الزوج، كقوله تعالى { إذ قال موسى لأهله إني آنست ناراً }النمل : 7 . أي قال موسى لامرأته وهي بنت شعيب النبي صلى الله عليهم وسلم .

       الثاني: أهل الدار: سكانها من الزوج والولد ومن معهما، كقوله تعالى { وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها }طه : 132 . والمراد بالأهل بحسب انطباقه على وقت النزول، خديجة زوج النبي الكريم صلى الله عليه وآله، وعلي عليه السلام، وكان من أهله وفي بيته أو هما وبعض بنات خديجة عليها السلام .

       الثالث: الأهل: الأخِصّـاء، والمخصوصون والممتازون، ليس لغيرهم بصاحب الأهل تلك الخصوصية والامتياز، كقوله تعالى { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً } الأحزاب : 33 . يعني أهل بيت الرسول صلى الله عليه وآله المخصوصين، وهم الرسول وعلي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم أجمعين. وكقوله { قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت }هود :73. ولكن المراد، المخصوصون بإبراهيم عليه السلام، لقوله { عليكم أهل البيت } .

       الرابع: أهل الرجل: عشيرته وذوو قرباه كقوله تعالى { فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها }النساء : 35 .

       الخامس: أهل الكتاب: اليهود والنصارى كقوله تعالى { يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم } آل عمران :65 .

       السادس: أهل الأرض والقرية والمدينة، كقوله تعالى { أولم يهد للذين يرثون الأرض من بعد أهلها } الأعراف : 100 . وقوله { ولو أن أهل القرى آمنوا } الأعراف : 96 . وقوله { ومن أهل المدينة مردوا على النفاق } التوبة : 101 .

       السابع: أهل الذكر: أهل القرآن وهم أهل الله تعالى وخاصته، وهم أولياء الله والمختصون به اختصاص أهل الإنسان به كقوله تعالى { فاسألوا أهل الذكر } الأنبياء : 7 .

       الثامن: أهل المذهب: أتباعه، وأهل الإسلام: من يدن به، وأهل الأمر ولاته، وأهل النبي: أمته، قال الله تعالى     { قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك .... انه ليس من أهلك } هود : 40- 46 .

       التاسع: أهل الأمانة: أصحابها من الأموال والأملاك كقوله تعالى { عن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} النساء : 58 .

       العاشر: أهل المكر والخداع والمعصية: أصحابها كقوله تعالى { ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله} فاطر : 43 .

       الحادي عشر: أهل النار: أصحابها كقوله { إن ذلك لحق تخاصم أهل النار } ص : 64 .

       الثاني عشر: الأهل: الأجدر والأحق، والأهلية: الصلاحية. يقال: فلان أهل لكذا: أي خليق به وصالح لذلك . قال الله تعالى { والزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها } الفتح : 26 . وقال { هو أهل التقوى وأهل المغفرة} المدثر : 56 . يعني هو أحق أن يتقى منه وهو أحق أن يغفر لمن يتقى منه .

       تلك الصور التي وردت في القرآن الكريم لكلمة ( أهل )، وأما بصورتها المركبة، أعني ( أهل البيت )  فلم ترد في القرآن الكريم إلا في موضعين اثنين فقط، إحداهما في الآية 73، من سورة هود، والأخرى  في الآية 33 من سورة الأحزاب، وسوف نتحدث عن المراد بـ ( أهل البيت ) في الموضعين ، بما يناسب المقام وأما ما سبق فهو شرح  لغوي فقط، ولا يؤخذ تفسير القرآن الكريم بالألفاظ اللغوية فقط ، إلا إذا لم تقم قرائن تمنع ذلك .                                                           

       ثالثاً : المعنى اللغوي للطهارة :                                                                       

       الطهر: ضد النجاسة، ورجل طاهر الثياب: أي منزه، وتتطهر: أي تنزه عن الأدناس، والطهرـ بالضم ـ: النقاء .

       طهر الشيء من بابي قتل وقرب طهارة، والاسم الطهر وهو النقاء من الدنس والنجس، وهو طاهر العرض أي برئ من العيب، ومنه قيل للحالة المناقضة للحيض طهر، والجمع أطهار، مثل قفل وأقفال. وامرأة طاهرة من الأدناس  ووطاهرة من الحيض بغير هاء، وقد طهرت من الحيض من باب قتل، وفي لغة قليلة من باب قرب، وتطهرت اغتسلت، وتكون الطهارة بمعنى طاهر خلاف نجس، وطاهر صالح للتطهر به وطهور قيل مبالغة وأنه بمعنى طاهر والأكثر أنه لوصف زائد . قال ابن فارس قال ثعلب الطهور هو الطاهر في نفسه المطهر لغيره، وقال الأزهري أيضاً الطهور في اللغة هو الطاهر المطهر، قال وفعول في كلام العرب لمعانٍ، منها فعول لما يفعل به مثل الطهور لما يتطهر به والوضوء لما يتوضأ به  والفطور لما يفطر عليه والغسول لما يغتسل به ويغسل به الشيء .

       وأصل التطهير: بمعنى التنظيف والتنزيه من العيوب والأدناس والأقذار والأرجاس العقلانية والنفسانية والجسمانية .

       قال ابن منظور: والتطهر: التنزه والكف عن الإثم وما لا يحل، ورجل طاهر الثياب أي منزه، ومنه قول الله عز وجل في ذكر قوم لوط وقولهم في مؤمني قوم لوط " إنهم أناس يتطهرون "أي يتنزهون عن إتيان الذكور. وهم قوم يتطهرون أي يتنزهون عن الأدناس، ويقال: فلان طاهر الثياب إذا لم يكن فيه دنس الأخلاق . انتهى .                          

        والطهارة على ضربين :

       أحدهما: طهارة الجسم والظاهر، وهي زوال الدنس والقذر، كقوله تعالى { ولا تقربوهن حتى يطهرن } البقرة : 222. أي من دم الحيض .

       ثانيهما: طهارة النفس، وهي تنزيهها عما لا يحل، وابتعادها عما لا يجوز، كقوله تعالى { فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين } التوبة : 108 . وقوله { فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون } النمل : 56. وإن تطهير النفس قد يكون بإبعادها عن الشك في الدين، والشرك والنفاق واجتنابها من المعاصي والذنوب. كقوله تعالى { خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها } التوبة 103 . وقوله { طهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود} الحج : 26 . وقد يكون بصون النفس من قذارة الباطل والريبة ومداخلة الشيطان ، وهذا معنى اعتصامها بعصمة الله تعالى وكونها مصطفاة معصومة. قال الله تعالى { إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين } آل عمران : 42 . وقال { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً } الأحزاب : 33  . وقال { رسول من الله يتلو صحفاً مطهرة } البينة : 2 .

[ الصفحة السابقة ] [ البداية ]