منهم السيد يحيى بن عمر مقبول الأهدل بعد ذكر كلام السمهودي ما لفظه: فإذا تقرر لديك ذلك، فإيضاح وجه الاستهلال، أن من المعلوم المقطوع به عند أهل السنة أن إرادته تعالى أزلية، وأنها من صفات الذات القديمة بقدمها، الدائمة بدوامها، وقد علق الله تعالى الحكم بها إذ أحكام صفات الذات المعلقة بها، لا يجوز عليها التجوز، لأنه يلزم منه حدوث تلك الصفة، فيلزم من حدوثها حدوث الذات القديمة وقيام الحوادث بها، وكل منهما يستحيل قطعاً، تعالى الله عن ذلك . حتى قال جمع من المشايخ العارفين: يجب على كل مسلم أن يعتقد أن لا تبديل لما اختص الله تعالى به أهل البيت، بما أنزل الله فيهم، إذ شهادته لهم بالتطهير وإذهاب الرجس عنهم في لأزل على الوجه المذكور . واختلف في كون الإرادة المذكورة في أهل البيت هل هي تكوينية كما عليه أكثر الأشاعرة، أو تشريعية كما عليه المعتزلة، أو هما معاً كما ذهب إليه ابن تيمية، فبأي منها كانت، لا تخفى عليك أيها القارئ الكريم المتجنب عن الحمية الجاهلية والعصبية الباطلة، إذا نظرت الروايات والأحاديث الواردة المتواترة المستفيضة في المقام، ودلالة الآية الشريفة على طهارة أهل البيت النبوي (ص)، وعصمتهم من كل رجس ظاهري وباطني، وخُلُقي وخَلْقي، قولي وفعلي، كالشمس المشرقة على البسيط التي تستضيء بها الكائنات من الذرة على الذرة، فلا مجال إلى الترديد في نزولها في حقهم، وأن الخمسة صلى الله عليهم أجمعين هم أصحاب الكساء، وهم المعنيون والمقصودون بها من غير تشرك أحد، حتى أمهات المؤمنين . ومنهم ابن حجر الهيثمي المكي في كتابه " الصواعق المحرقة ص144":" ثم إن هذه الآية منبع فضائل أهل البيت النبوي، لاشتمالها على غرر من مآثرهم والاعتناء بشأنهم حيث ابتدأت بـ" إنما" المفيدة لحصر إرادته تعالى في أمرهم على إذهاب الرجس- الذي هو الإثم أو الشك فيما يجب الإيمان به- عنهم وتطهيرهم من سائر الأخلاق والأحوال المذمومة، وسيأتي في بعض الطرق تحريمهم على النار، وهو فائدة ذلك التطهير وغايته، إذ منه إلهام الإنابة إلى الله تعالى وإدامة الأعمال الصالحة - إلى أن قال- ومن تطهيرهم تحريم صدقة الفرض - بل والنقل على قول مالك- عليهم، لأنها أوساخ الناس مع كونها تنبئ عن ذلَّ الآخذ وعز المأخوذ منه، وعوضوا عنها خمس الفيء، والغنيمة المنبئ عن عز الآخذ وذل المأخوذ وذل المأخوذ منه، - إلى أن قال-: وحكمة ختم الآية بـ" تطهيراً" المبالغة في وصولهم لأعلاه، وفي رفع التجوز عنه، ثم تنوينه تنوين التعظيم والتكثير والإعجاب المفيد إلى أنه ليس من جنس ما يتعارف ويؤلف . ثم أكد - صلى الله عليه - ذلك كله بتكرير طلب ما في الآية لهم بقوله:" اللهم هؤلاء أهل بيتي....." وأكده أيضاً بطلب الصلاة عيهم بقوله:" فاجعل صلواتك عليهم"، وأكده أيضاً بقوله:" أنا حرب لمن حاربهم"..... فأقامهم مقام نفسه، وأُلحقوا به أيضاً قي قصة المباهلة" انتهى ملخصاً . ومنهم: محمد بن طلحة الشامي الشافعي في مطالب السؤول في مناقب آل الرسول ما لفظه: وأما جعله أهل العبا فقد روي أئمة النقل والرواية فيما اسندوه واستفاض عند ذوي العلم والدراية، فمما أوردوه ما صرح به الامام الواحدي في كتابه المسمى ( بأسباب النزول ) يرفعه إلى أم سلمة زوج النبي (ص) ذكرت " أن رسول الله (ص) كانت في بيتها فاتته فاطمة ببرمة فيها خريزة فدخلت بها عليه فقال لها: ادعي لي زوجك وابنيك قال: فجاء علي والحسن والحسين فدخلوا فجلسوا يأكلون من تلك الحريرة وهو على دكان وتحته كساء خيبري قال: وأنا في الحجرة أصلي فأنزل الله تعالى:" إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً " قالت: فأخذ فضل الكساء فغشاهم به ثم أخرج يديه فألوى بهما إلى السماء ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً. قالت: فأدخلت رأسي البيت فقلت: أنا معكم يا رسول الله؟ قال: آئل إلى خير، آئل إلى خير". ثم قال: فهؤلاء أهل البيت المرتقون بتطهيرهم إلى ذروة أوج الكمال، المستحقون لتوقيرهم مراتب الإعظام والإجلال، الموفقون لتأييدهم لابتهاج مناهج الاستقامة والاعتدال - إلى أن قال-: فهذه الأدلة من خصوص النصوص وصحاحها، ووجوهها في دلائلها من مصابيح صباحها قد ارتضعت فاطمة درة الفضيلة والشرف بصراحها وصدعت ألفاظها الفصيحة معانيها البليغة، ثم انشأ أبياتاً، سنأتي على ذكرها، فيما بعد إن شاء الله تعالى، انتهى . وقد وردت روايات كثيرة بأسانيد عديدة عن طرق العامة في كتبهم الحديثية والتفسيرية والكلامية: أن آية التطهير نزلت في حق " علي وفاطمة والحسن والحسين سبطي المصطفى" خاصة،- طبعاً وعلى رأسهم الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله-، ونقلوا في هذا الشأن أحاديث متينة الإسناد، واضحة الدلالات، لا يستطيع أحد إنكارها، إلا من كان منافقاً أو مريض القلب الذي يوسوس في صدور الناس، وانعقد الإجماع على ذلك كما صرح به بعضهم، كابن حجر في صواعقه ص 85 و467 ط الميمنية بمصر، وص141 و227 ط المحمدية بمصر، والمحدث الدشتكيفي روضة الأحباب وغيرهما، وهناك شرذمة قليلة من العامة متعصبة بعصبية جاهلية عمياء، بشمول الآية زوجات النبي (ص)، متشبثة بروايات ضعيفة الإسناد، وخفية الدلالات، مع دخول آل العبا فيها ولكن إذا تدبر متدبر منصف سليم القلب، غير مخدوش العقل في الروايات الواردة في كتب العامة، تجد اختصاص الآية الكريمة بهؤلاء المعصومين، صلوات الله عليهم، فلا يُعتنى بما ذهب هؤلاء الشرذمة الموسومة بالعموم . وقد تلونا عليك في المبحث الثاني بعض الروايات . وقال الشوكاني في تفسيره " فتح القدير ج4 ص270 ط القاهرة) ما لفظه: وقال أبو سعيد الخدري ومجاهد وقتادة وروي عن الكلبي: أن أهل البيت المذكورين في الآية هم علي وفاطمة والحسن والحسين خاصة، إلى آخر ما أفاد، ثم ذكر عدة روايات من طرق عديدة من الصحاح وغيرها في ذلك . وروى الشيخ يوسف إسماعيل النبهاني في ( الشرف المؤيد لآل محمد"ص") ص6 ط مصر ما لفظه: وروى أحمد والطبراني عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله (ص): أنزلت هذه الآية في خمسة: فيّ وفي علي وحسن وحسين وفاطمة. بعض مَن صرح بأن الآية الشريفة نزلت في حق الخمسة خاصة: وقد أورد حملة آثار العامة في أسفارهم روايات كثيرة بأسانيد عديدة، بأن الآية الكريمة في حق الخمسة خاصة، نشير إلى نبذة منها، وإن أسلفنا عدداً لا بأس به في المبحث الثاني، ومن تلك الراويات أيضاً، وغيرها: 1- أبو داود الطيالسي في المسند ج8 ص274 ط حيدر آباد . 2- أحمد بن حنبل الشيباني إمام الحنابلة في المسند ج1 ص331 القاهرة، الآية نزلت في حق الخمسة خاصة . 3- الطبري في جامع البيان ج22 ص5 ط مصر، بطرق عديدة، كلها دالة على اختصاص آية التطهير بالخمسة أصحاب الكساء، وذلك يقرب من خمسة عشر طريقاً . 4- ابن حجر الصواعق المحرقة ص 85 و467 ط الميمنية بمصر، وص141 و227 ط المحمدية بمصر. 5- الجصاص في أحكام القرآن ج3 ص443 ط القاهرة بأسانيد عديدة إلى أن قال: انهم المقصودون بأهل البيت فيها . 6- أحمد المؤيد بالله في الأمالي ص33 ط صنعاء . 7- أبو القاسم حمزة بن يوسف السهمي الجرجاني في تاريخ جرجان ص46 ط حيدرآباد . 8- البيهقي في السنن الكبرى ج2 ص149 ط حيدرآباد . 9- حافظ الأندلسي الشيخ أبو عمرو يوسف بن عبد الله في الاستيعاب ج2 ص460 ط حيدرآباد . 10- الواحدي النيسابوري في أسباب النزول ص267 ط مصر . 11- القاضي عيّاض المغربي في الشفا بتعريف حقوق المصطفى ج2ص41 ط الأستانة بمطبعة العثمانية . 12- موفق بن أحمد أخطب خوارزم في المناقب ص35 . 13- ابن عساكر الدمشقي الشافعي في تاريخ دمشق على ما في منتخبه ج4 ص204-206 ط مصر . 14- الفخر الرازي في التفسير الكبير ج2ص700 ط الأستانة . 15- ابن الأثير الجزري في جامع الأصول ج1ص101 ط القاهرة . 16- القرطبي الأندلسي في الجامع لأحكام القرآن ج14ص182 الطبعة الأولى بالقاهرة المحمية، نقل نزول الآية الكريمة في حقهم عليهم السلام . 17- القاضي البيضاوي في تفسيره سورة الشورى ص378 ط مصر القديم . 18- الخطيب العمري التبريزي في مشكاة المصابيح ص568 ط لكنهو ، نقل أن الآية الكريمة نزلت في حقهم . 19- الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد ج9 ص166 و168 ط القاهرة أورد بطرق روايات في نزول الآية في حقهم عليهم السلام خاصة عن طرق عديدة: عن أم سلمة و واثلة وأبي سعيد الخدري وأبي حمراء وغيرهم.... . 20- الحافظ ابن حجر العسقلاني الشافعي في الإصابة ج2 ص502 ط مصر، وفي ج1 ص329 عن أم سلمة: أن الآية نزلت في حقهم خاصة . وفي ج4 ص367 وج4 ص207 . 21- ابن حجر في الكافي الشافي في تخريج أحاديث الكشاف ص26 الحديث16 ط مصر المطبوع في آخر الكشاف ط مصطفى محمد . 22- ابن حجر في فتح الباري شرح صحيح البخاري ج3 ص422 ط مصر القديم . 23- الذهبي في تلخيص المستدرك المطبوع في ذيل المستدرك ج3 ص146 و147 و158 و 416 ط حيدرآباد. 24- الذهبي في تاريخ الإسلام ج3 ص6 ط حسام الدين القدسي بالقاهرة . 25- السيوطي الشافعي في الدر المنثور ج5 ص198 و199 ط القاهرة .أورد فيه عدة أحاديث صحيحة صريحة دالة على أن الآية نزلت في حق الخمسة الطيبة أصحاب الكساء من طرق عديدة من جماعة الصحابة والصحابيات والتابعين كأم سلمة وعائشة وأبي سعيد الخدري وسعد وزيد بن أرقم وابن عباس والضحاك بن مزاحم وأبي الحمراء وعمر بن أبي سلمة وغيرهم . 26- السيوطي في الإتقان ج2 ص200 ط مصر . 27- ابن حجر الهيثمي في الصواعق المحرقة ص185 الطبع القديم ( الحجرية) ما لفظه: آية التطهير أكثر المفسرين على أنها نزلت في علي وفاطمة والحسنين . 28- الترمذي الحنفي في مناقب مرتضوي ص43 ط بمبي . 29- المتقي الهندي في منتخب كنز العمال المطبوع بهامش المسند لأحمد بن حنبل ج5 ص96 ط مصر . 30- الدهلوي في مدارج النبوة ص589 ط دهلي، فصرح بأن الآية الكريمة نزلت في حقهم عليهم السلام خاصة. 31- الشيخ عبد الله بن محمد بن عامر المصري الشافعي في الإتحاف بحب الأشراف ص5 ط مصر بمطبعة مصطفى الحلبي . 32- الشيخ محمد الصبان المصري في إسعاف الراغبين المطبوع بهامش نور الأبصار ص105 ط مصر مطبعة مصطفى الحلبي عن طرق عديدة، ذكر في رواية أنه (ص) أدرج معهم جبرئيل وميكائيل . 33- الشبلنجي في نور الأبصار ص112 ط مصر مطبعة مصطفي محمد من طرق عديدة قال ما لفظه: روي الحديث من طرق عديدة صحيحة . 34- البخاري في التاريخ الكبير ج1 ص110 و196 ط حيدرآباد الدكن . وغيرها من الروايات الواردة تزيد على مأة حديث رواه العمة في أسفارهم بطرق كثيرة، عن أم سلمة وعائشة وابن عباس وزيد بن أرقم وابن عمر وأنس بن مالك وهلال بن يساف، وقتادة ومجاهد والكلبي وصبيح وعمر بن أبي سلمة وأبى سعيد الخدري وسعد بن أبى وقاص وواثلة بن الأسقع وأبي الحمراء وثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وعبد الله بن جعفر وعلي بن أبى طالب والحسن بن علي عليهما السلام نحو أربعين طريقاً . ولو أردنا أن نحصيها لخرج بنا المقام، ولتوسعنا فيه، فذكر المصادر تكفي مع ما أثبتناه في المبحث الثاني، البحث الروائي . وغيرهم من أعاظم علماء الأمة تركناهم، خوف الإطالة وطلبناً للاحتضار، وقد أشرنا إلى بعض سابقاً . [ الصفحة السابقة ] [ البداية ] |