المبحث السادس: آية التطهير ونساء النبي (ص)

       تعرفت على دلائل القول وقرائنه ومؤيداته وأحاديثه المتواترة التي أطبق على نقلها أكثر من أربعين صحابياً وصحابية من أمهات المؤمنين، وقد تلقته الأمة بالقبول في القرون الماضية، عدا فئة أعمتهم العصبية العمياء .

       وأما نزول آية التطهير في زوجات ونساء النبي صلى الله عليه وآله، فقد نسب إلى أشخاص نقل عنهم، منهم :

        1) ابن عباس،        2) عكرمة          3) عروة بن الزبير،     4) مقاتل بن سليمان

       أما الأول: أعني ابن عباس رضوان الله تعالى عليه، فقد نقل عنه تارة، عن طريق سعيد بن جبير، وأخرى طريق عكرمة، قال السيوطي في الدر المنثور: وأخرج ابن أبى حاتم، وابن عساكر من طريق عكرمة عن ابن عباس عن قوله:" إنما يريد الله .... "قال: نزلت في نساء النبي صلى الله عليه وسلم .

       وقال أيضاً: أخرج ابن مردويه عن طريق سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: نزلت في نساء النبي صلى الله عليه وسلم .

       وأما الثاني: أعني عكرمة، فقد نقله عنه الطبري عن طريق" علقمة"، وأن عكرمة كان ينادي  في السوق:" إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس...." نزلت في نساء النبي صلى الله عليه وسلم .

       ونقل في الدر المنثور: أخرج ابن جرير وابن مردويه، عن عكرمة في قوله:" إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس...." إنه قال ليس بالذي تذهبون إليه، إنما هو نساء النبي صلى الله عليه وسلم .

       وأما الثالث: أعني عروة بن الزبير، فقال السيوطي: وأخرج ابن سعد عن عروة بن الزبير انه قال:" :" إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً " قال: أزواج النبي نزلت في بيت عائشة .

       وأما الرابع: فقد نقل عنه في أسباب النزول. ( انظر تفسير الطبريك22/7و8، والدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي:5/198، وأسباب النزول للواحدي: 204 .

       تحليل هذه النقول:

       أما نقله عن ابن عباس: فليس بثابت، بل نقل عنه خلاف ذلك، فقد نقل السيوطي في الدر المنثور قال: وأخرج ابن مردويه، عن ابن عباس قال: شهدنا رسول الله (ص) تسعة أشهر يأتي كل يوم باب علي بن أبي طالب عند وقت كل صلاة فيقول:" السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أهل البيت { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً } " .

       وليس ابن مردويه فريداً في هذا النقل، فقد نقله الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل بسند ينتهي إلى أبى صالح، عن ابن عباس: " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً " نزلت في رسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين. والرجس الشك .

       كما نقله الحافظ الحسين بن الحكم الحبري  في " تنزيل الآيات" عن أبي صالح بمثل ما سبق ( انظر تنزيل الآيات: 24 .

       وممن رواه عن ابن عباس صاحب أرجح المطالب ص54 طبع لاهور، والعلامة إسماعيل النقشبندي في" مناقب العترة ". وقد نقلنا عنه ما يكفي، فراجع .

      أضف إلى ذلك أن من البعيد أن يخفى على ابن عباس حبر الأمة، ما اطلع عليه عيون الصحابة وأمهات المؤمنين.                            أما عكرمة: فقد ثبت تقوله، لكن في نفس كلامه دليلاً واضحاً على أن الرأي العام يوم ذاك في شأن نزول الآية هو نزولها في حق فاطمة، وإنما نفرد هو بذلك، ولأجله رفع عقيرته في السوق بقوله: ليس بالذي تذهبون إليه وإنما هو نساء النبي . أضف إلى ذلك: أن تخصيص هذه الآية بالنداء في السوق وإنها نزلت في نساء النبي، يعرب عن موقفه الخاص بالنسبة إلى ما اشتهر نزول الآية في حقهم، وإلا فالمتعارف بين الناس أن الجهر بالحقيقة بشكل معقول، لا بهذه الصورة المعربة عن الانحراف عنهم عليهم السلام .

       هذا كله حول ما نقل عنه، وأما تحليل شخصيته وموقفه من الأمانة والوثاقة، وانحرافه عن علي، وانحيازه إلى الخوارج، وطمعه الشديد بما في أيدي الأمراء، فحدث عنه ولا حرج، ولأجل إيقافك على قليل مما ذكره أئمة الجرح والتعديل في حقه، نأتي ببعض ما ذكره شمس الدين الذهبي، نقاد الفن في كتابيه:" تذكرة الحفاظ"، و"سير أعلام النبلاء، ومن أراد التفصيل فليرجع إلى كتب الجرح والتعديل .

       نقل الذهبي المتوفى 748هـ في سير أعلام النبلاء، هذه الكلمات في حق عكرمة:

       1- قال أبو أيوب:" قال عكرمة: إني لأخرج إلى السوق فأسمع الرجل يتكلم بالكلمة فيفتح لي خمسون باباً من العلم...." ما معنى هذه الكلمة؟ وهل يقولها إنسان يملك شيئاً من العقل والوقار؟!

       2- قال ابن لهيعة: وكان يحدث برأي نجدة الحروري، { وهو نجدة بن عامر الحروري الحنفي من بني حنيفة، راس الفرقة النجدية، انفرد عن سائر الخوارج بآرائه } وأتاه، فأقام عنده ستة أشهر، ثم أتى ابن عباس فسلّم، فقال ابن عباس: جاء الخبيث .

       3- قال سعيد بن أبى مريم، عن أبى لهيعة، عن أبي الأسود قال: كنت أول من سبّب لعكرمة الخروج من المغرب، وذلك أني قدمت من مصر إلى المدينة، فلقيني عكرمة وسألني عن أهل المغرب، فأخبرته بغفلتهم، قال: فخرج إليهم وكان أول ما أحدث فيهم رأي الصفرية. { وهم فرقة من الخوارج اتباع زياد بن الأصفر .

       4- قال يحي بن بكير: قدم عكرمة مصر ونزل هذه الدار وخرج إلى المغرب، فالخوارج الذين بالمغرب عنه أخذوا .

       5- قال علي بن المديني: كان عكرمة يرى رأي نجدة الحروري .

       6- وقال أحمد بن زهير: سمعت يحي بن معين يقول: إنما لم يذكر ملك عكرمة- في الموطأ- قال: لأن عكرمة كان ينتحل رأي الصفرية .

       7- وروى عمر بن قيس المكي، عن عطاء قال: كان عكرمة إباضياً .

       8- وعن أبي مريم قال: كان عكرمة بيهسياً. ( أبو بيهس هيصم بن جابر الضبعي رأس الفرقة البيهسية من الخوارج) .

       9- وقال إبراهيم الجوزجاني: سألت أحمد بن حنبل عن عكرمة، أكان يرى رأي الإباضية ؟ فقال: يقال: أنه كان صفرياً، قلت: أتى البربر؟ قال: نعم. وأتى خراسان يطوف على الأمراء يأخذ منهم .

       10- وقال علي بن المديني: حكي عن يعقوب الحضرمي عن جده قال: وقف عكرمة على باب المسجد فقال: ما فيه إلا كافر . قال: وكان يرى رأي الإباضية . انظر أعلام النبلاء للذهبي: 5/18-22 .

       وقال في " ميزان الاعتدال 3/ 93-97 ": وقد وثقه جماعة، واعتمده البخاري، وأما مسلم فتجنبه، وروى له قليلاً مقروناً بغيره، وأعرض عنه مالك، وتحايده إلا في حديث أو حديثين .

       عفان، حدثنا وهيب قال: شهدت يحي بن سعيد الأنصاري، وأيوب، فذكرا عكرمة فقال: كذاب، وقال أبو أيوب: لم يكن بكذاب .

      وعن عبد الله بن الحارث: دخلت على علي بن عبد الله بن عباس، فإذا عكرمة في وثاق عند باب الحش فقلت: ألا تتقي الله ؟ قال: إن هذا الخبيث يكذب على أبى .

       سئل محمد بن سيرين عن عكرمة؟ فقال: ما يسوئني أن يكون من أهل الجنة، ولكنه كذاب.

       هشام بن عبد الله المخزومي: سمعت ابن أبي ذئب يقول: رأيت عكرمة، وكان غير ثقة .

       وعن بريد بن هارون قال: قدم عكرمة البصرة، فأتاه أيوب ويونس وسليمان التيمي، فسمع صوت غناء فقال: اسكتوا، ثم قال: قاتله الله لقد أجاد .

       وعن خالد بن أبى عمران قال: كنّا بالمغرب وعندنا عكرمة في وقت الموسم، فقال: وددت أن بيدي حربة فاعترض بها من شهد الموسم يميناً وشمالاً .

       وعن يعقوب الحضرمي عن جده  قال: وقف عكرمة على باب المسجد فقال: ما في إلا كافر . قال: ويرى رأي الإباضية، إن عكرمة لم يدع موضعاً إلا خرج إليه: خراسان والشام واليمن ومصر وأفريقيه، كان يأتي الأمراء فيطلب جوائزهم .

       وقال عبد العزيز الدراوردي: مات عكرمة وكثير عزه في يوم واحد، فما شهدهما إلا سودان المدينة .

       وعن ابن المسيب أنه قال لمولاه "برد": لا تكذب عليّ كما كذب عكرمة على ابن عباس .

       أفبعد هذه الكلمات المتضافرة الحاكية عن انحراف الرجل عن جادة الحق، وتكفيره عامة المسلمين، وتمنيّه أن يقتل كل من شهد الموسم، يصح الاعتماد عليه في تفسيره الذكر الحكيم؟ والأسف أن المفسرين نقلوا أقواله أرسلوها ولم يلتفتوا على أن الرجل كذاب على مولاه وعلى المسلمين، فواجب على عشاق الكتاب العزيز وطلاب التفسير، تهذيب الكتب عن أقوال هذا الشخص، ومن يحذو حذوه .                         

       عنه، ففي هذا الصدد يقول ابن أبي الحديد: روى جرير بن عبد وأما عروة بن الزبير، فيكفي في عدم حجية قوله، عداؤه لعلي وانحرافه الحميد، عن محمد بن شيبة قالالزبير جالسان يذكران علياً فنالا منه، فبلغ ذلك علي بن : شهدت مسجد المدينة، فإذا الزهري وعروة بن الحسين، فجاء حتى وقف عليهما، فقالالله، فحكم لأبي على أبيك، وأما أنت يا زهري  فلو كنت بمكة : أما أنت يا عروة فإن أبي حاكم أباك إلى لأريتك كير أبيك .

       وقد روي من طرق كثيرة: أن عروة بن الزبير كان يقول: لم يكن أحد من أصحاب رسول الله (ص) يزهو إلا علي بن أبي طالب، وأسامة بن زيد .

       وروى عاصم بن أبي عامر البجلي، عن يحيى بن عروة قال: كان أبى إذا ذكر علياً نال منه، وقال لي مرة: يا بني والله ما أحجم الناس عنه إلا طلباً للدنياً، لقد بعث إليه أسامة بن زيد أن أبعث إلي بعطائي، فوالله إنك لتعلم أنك لو كنت في فم أسد لدخلت معك . فكتب إليه: إن هذا المال لمن جاهد عليه، ولكن لي مالاً بالمدينة، فأصب منه ما شئت .

       قال يحيى: فكنت اعجب من وصفه إياه بما وصفه، ومن عيبه له وانحرافه عنه . ( لاحظ شرح النهج لابن أبي الحديد: 4/102، وراجع سير أعلام النبلاء: 4/ 421 - 437، ما يدل على كونه من بغاة الدنيا وطالبيها، وقد بنى قصراً في العقيق وأنشد شعراً في مدحه، وكان مقرباً لدى الأمويين خصوصاً عبد الملك .

       وأما مقاتل بن سليمان: وهو رابع النقلة لنزول الآية في نساء النبي (ص)، ويكفي في عدم حجية قوله ما نقله الذهبي في حقه في " سير الأعلام" قال: قال ابن عيينه: قلت لمقاتل: زعموا أنك لم تسمع من الضحاك؟ قال: يغلق عليّ وعليه باب، فقلت في نفسي: أجل باب المدينة .

       وقيل: إنه قال: سلوني عما دون العرش، فقالوا: أين أمعاء النملة؟ فسكت، وسألوه لما حج آدم مَن حلق رأسه؟ فقال: لا ادري, قال وكيع: كان كذاباً .

       وعن أبي حنيفة قال: أتانا من المشرق رأيان خبيثان: جهم معطل، ومقاتل مشبه/ مات مقاتل سنة نيف وخمسين ومائة، وقال البخاري: مقاتل لا شيئ البتة. قلت: اجمعوا على تركه. ( انظر سير أعلام النبلاء: 7/ 207 ) .

       والتعطيل: هو أن لا تثبت لله الصفات التي وصف بها نفس، أو وصفه بها رسوله (ص). والتشبيه: أن يُشبَه الله سبحانه وتعالى بأحد من خلقه .

       تجد اتفاق المتكلمين من الأشاعرة والمعتزلة ومن قبلهم على أن القول بالتشبيه، إنما تسرب إلى الأوساط الإسلامية من مقاتل، فهو الزعيم الركن بالقول بأن له سبحانه أعضاء مثل ما للإنسان من اليد والرجل والوجه وغير ذلك .

       وقال الذهبي أيضاً في " ميزان الاعتدال 4/ 172 - 175" ما هذا تلخيصه: قال النسائي: كان مقاتل يكذب .

       وعن يحيى: حديثه ليس بشيء . وقال الجوزجاني: كان دجالاً جسوراً .

       وقال ابن حبان: كان يأخذ من اليهود والنصارى من علم القرن الذي يوافق كتبهم، وكان يشبه الرب بالمخلوق، وكان يكذب في الحديث .

       وعن خارجة بن مصعب: لم استحل دم يهودي، ولو وجدت مقاتل بن سليمان خلوة لشققت بطنه .

       وقال ابن أبي حاتم: حديثه يدل على أنه ليس بصدوق .

       فعلى ما عرفت من السابق، من عدم صحة ما نسب إلى ابن عباس (رض)، وعدم حجية أقوال عكرمة وعروة ومقاتل، فلا يصح الاعتماد بأن نزول آية التطهير في حق نساء النبي صلى الله عليه وآله .

       الأقوال الأخرى في تفسير أهل البيت

       قد عرفت القولين المعروفين حول الآية المباركة، كما عرفت الحق الواضح منهما، وبقي عندنا الأقوال الشاذة التي لا تعتمد على ركن وثيق، وإنما هي آراء مختلقة لأجل الفرار من المشاكل المتوجهة إلى ثاني القولين، ونحن نذكرها واحداً بعد آخر، على نحو الإيجاز:

       1- المراد من " البيت " هو بيت الله الحرام، والمراد من أهله، هم المقيمون حوله .

       2- المراد من " البيت " هو مسجد الرسول صلى الله عليه وآله، والمراد من أهله، هم القاطنون حوله، وكان لبيوتهم باب إلى المسجد .

       3- المراد من تحرم عليهم الصدقة، وهم ولد أبي طالب عليه السلام: علي، وجعفر، وعقيل،وولد العباس (رض).

       4- المراد من البيت، بيت النسب والحسب، فيعم أبناء النبي (ص) ونساءه .

          الأول والثاني:

       وهذه الوجوه كلها عليلة، أما الأول  والثاني، فلأن إطلاق "أهل البيت" واستعماله في أهل مكة والمدينة، استعمال بعيد، لا يحمل عليه الكلام إلا بقرينة قطعية، والمتبادر منه هو أهل بيت الرجل، وعلى ذلك جرى الذكر الحكيم في موردين، أحدهما في قصة الخليل إبراهيم سلام الله تعالى عليه، قال سبحانه: { قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت }، وثانيها في قصة موسى عليه السلام، قال سبحانه:{ هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم}.

       أضف إليه أن الآية واقعة في سياق البحث عن نساء النبي (ص)، فصرف الآية عنه (ص) وإرجاعها إلى من جاور بيت الله، أو من بات حول مسجده (ص)، لا يساعد عليه ظاهر الآيات أبداً .

       ويتلوهما الثالث: فإن تفسير" أهل بيت النبي (ص)" بمن تحرم عليه الصدقة من صلب أبي طالب والعباس، تفسير بلا شاهد، وكأنه حمل البيت على البيت النسبي، أضف إليه أن الصدقة غير محرمة على خصوص أبنائهما، بل هي محرمة على أبنائهما وكل من  كان من نسل عبد المطلب .

       فمن المعروف بين علمائنا الأبرار- كما هو عند الشيخ الطوسي" قدس الله تربته الزكية"- أنه: تحرم الصدقة المفروضة على بني هاشم من ولد أبي طالب العقيليين والجعافرة والعلويين، وولد العباس بن عبد المطلب، وولد أبي لهب، وولد الحارث بن عبد المطلب، ولا عقب لهاشم إلا من هؤلاء، ولا يحرم على ولد المطلب، ونوفل، وعبد شمس بن عبد مناف، قال الشافعي: تحرم الصدقة المفروضة على هؤلاء كلهم، وهو جميع ولد عبد مناف .

       وعلى ذلك فليس لهذه النظرية دليل سوى ما رواه مسلم عن زيد بن أرقم .

       وأما النظرية الرابعة: فقد ذهب إليها بعضهم، جمعاً بين الأحاديث المتضافرة الحاكية عن نزول الآية في العترة الطاهرة، وسياق الآيات الدالة على رجوعها إلى نسائه، فحاول القائل الجمع بين الدليلين بتفسير الآية بأولاده وأزواجه، وجعل علياً أيضاً منهم بسبب معاشرته وملازمته للنبي صلى الله عليه وآله .

       قال الرازي: والأولى أن يقال هم: أولاده وأزواجه والحسن والحسين منهم، وعلي معهم، لأنه كان من أهل بيته بسب معاشرته بيت النبي وملازمته . ( انظر: مفاتيح الغيب: 6/615 ) .

       وقال البيضاوي: والتخصيص بهم أولاده لا يناسب ما قبل الآية وما بعدها، والحديث يقتضي انهم من أهل البيت لا أن غيرهم ليس منهم .( انظر أنوار التنزيل: 4/162 ).

       وقال المراغي: أهل بيته من كان ملازماً له من الرجال والنساء والأزواج والإماء والأقارب ( انظر تفسير المراغي: 22/7 ) .

       وهذه النظرية موهنة أيضاً :

       أولاً: أن اللام في " أهل البيت " ليست للجنس ولا للاستغراق، بل هي لام العهد، وهي تشير إلى بيت معهود بين المتكلم والمخاطب، وهو بيت واحد، ولو صح ذلك القول لوجب أن يقول" أهل البيوت"، حتى يعم الأزواج والأولاد وكل من يتعلق بالنبي نسباً أو حسباً أو لعلاقة السكنية مثل الإماء .

       والحاصل: أنه لو أُريد " بيت النبي" المادي الجسماني فلا يصح، إذ لم يكن له (ص) بيت واحد، بل كان لكل واحدة من نسائه بيت مشخص، فكان النبي صاحب البيوت لا البيت الواحد .

       ولو أُريد منه بيت النسب، كما يقال: بيت من بيوتات "حمير" أو " ربيعة"، فلازمه التعميم إلى كل من ينتمي إلى هذا البيت بنسب أو بسبب، مع أنه كان بعض المنتمين إليه يوم نزول الآية من عبدة الوثن وأعداء النبي (ص)، فإن سورة الأحزاب نزلت سنة ست من الهجرة المباركة، وقد ورد فيها زواج النبي من زينب بنت جحش، وهو حسب ما ذكره صاحب " تاريخ الخميس " من حوادث سنة الخمس، وعلى ذلك فلا تتجاوز الآيات النازلة في نساء النبي صلى الله عليه وآله عن هذا الحد، وكان عند ذاك بعض من ينتمي إلى النبي بالنسب مشركاً، كأبي سفيان بن عبد المطلب، ابن عم رسول الله، وعبد لله بن أمية بن المغيرة، ابن عمته، وقد اسلما في عام الفتح، وانشد الأول قوله في إسلامه واعتذر إلى النبي مما كان مضى، منه ما قال:

                 لعمرك إني يوم أحمل راية                          لتغلب خيلَ اللات، خيل محمد

                 لكا لمدلج الحيران أظلم ليله                         فهذا أواني حين أهدي وأهتدي ( السيرة النبوية: 2/401)

       ولو أُريد منه " بيت الوحي" فلازمه الاختصاص بمن بلغ من الورع والتقوى ذروتهما، حتى يصح عدّه من أهل ذلك البيت الرفيع المعنون، ومثله لا يعم كل من ينتمي بالوشائج النسبية أو الحسبية إلى هذا البيت، وإن كان في جانب الإيمان والعمل في درجة نازلة تلحقه بالعاديين من المسلمين .

       ثانياً: قد عرفت أن الإرادة الواردة في الآية تكوينية، تعرب عن تعلق إرادته الحكيمة على عصمة أهل ذلك البيت، ومعه كيف يمكن القول بأن المراد كل من ينتمي إلى ذلك البيت بوشائج النسب والحسب؟!

       ثالثاً: إن النظرية في جانب مخالف للأحاديث المتضافرة الدالة على نزول الآية في حق العترة الطاهرة، وقد قام النبي صلى الله عليه وآله بتفسيرها بوجوه مختلفة، أوعزنا إليها عند البحث عن القول الأول، والنبي (ص) هو المبين الأول لمفاد كتابه الذي أُرسل معه، قال سبحانه وتعالى:{ وأنزلنا إليك الذكر لتبيّن للناس ما نُزِّل إليهم ولعلهم يتفكرون} النحل : 44 .

       فليست وظيفة النبي صلى الله عليه وآله القراءة والتلاوة، بل التبيين والتوضيح من وظائفه التي تنص الآية عليها. 

[ الصفحة السابقة ] [ البداية ]