جزيرة تاروة وهذا الإسم يعتبر من الأسماء القديمة ، التي يعتقد بأنها فينيقية ، ويذهب بعض الباحثين إلى أن اسمها في الأصل عشتاروت حذف منه المقطع الأول ، وصارت تعرف بالمقطعين الأخرين ، وتردد ذكرها في كتب المؤرخين الإغريق فسموها تيروس أما بطليوس الجغرافي اليوناني فسماها تارو بحذف التاء الأخيرة وهو قريب من لفظها الحالي . وعشتاروت آلهة الإخصاب والجمال والحب عند الساميين ، وهي أهم آلهة عند الفينيقيين ، وهي تماثل إفروديت الإغريقية وقد اكتشفت لها تماثيل في الجزيرة وكان لها معبد ، أقيمت على أنقاضه القلعة البرتغالية في مدينة تاروت وتعتبر هذه الجزيرة أقدم موقع للإ ستيطان البشري ، ولها تاريخ مغرق في القدم فكانت موطناً للفينقيين قبل نزوحهم إلى شواطيء البحر الأبيض المتوسط ، فقد نقل الأب مرتين اليسوعي في كتابه تاريخ لبنان عن بعض مؤرخي الإغريق بأن أهل هذه الجزيرة كانوا يباهون بأنهم هم الذين أسسوا صور وأرواد ، ولا تخلو هذه الجزيرة من آثارهم ، فقد عثر منذ سنوات في أحد بساتينها على تمثال من الذهب الخالص للإ لهة عشتاروت ، لذلك حفلت بالآثار المهمة حيث يرجع بعضها إلى عصر السلالات الأولى لبلاد مابين النهرين ، أي قبل مدة تتراوح بين 4000 ، 5000 سنة ، ويعود بعضها إلى فترات زمنية معاصرة للحضارة العيلا مية الفارسية وحضارة الموهنجو دارو على نهر السند وحضارة أم النار التي قامت بالمنطقة الجنوبية في الخليج العربي ، والتي تم اكتشاف بقاياها في أبوظبي بواسطة البعثة الدانمركية سنة 1966هـ ، كما عثر فيها على آثار تنتمي إلى حضارة العبيد وحضارة باربار ، ويوجد فيها الآن مواقع أثرية ومقابر قديمة تم اكتشافها مؤخراً وقد حُظيت باهتمام البعثة الدانمركية فقامت بالمسح الأثري فيها ، وبدأت بالتل العالي الواقع في الجانب الغربي من مدينة تاروت ، وهو الموقع الذي قامت على أنقاضه قلعة البرتغاليين ، التي أعاد بناءها الأتراك والتي مازالت معالمها بارزة حتى الآن . لقد أسفرت هذه الأنقاض المتراكمة عن ثروة أثرية ثمينة ، فوجدت تحتها بقايا هيكل عشتاروت ، الذي يتكون من أحجار ضخمة منحوته بحجم متر مكعب ،مما يدل على ضخامة هذا الهيكل ، كما اكتشفت البعثة الدانمركية أبنية تتكون من أربع طبقات سكنية تتألف جدرانها من كتلٍ حجرية مربعة الشكل ، وعثرت أيضاً على بئر عميق من المياه العذبة ، تنصرف مياهه إلى حوض كبير واسع من الأحجار الطبيعية ، وعلى كسر فخارية منتثرة على سطح التل ، وقد أظهرت دراسة الفخار بأن هذه الكسر تنتمي إلى حضارة باربار ( حوالي 3000 ق . م ) ، كما دلت الحفائر في الطبقات السفلى على أن هذا الفخار الموجود فيها ينتمي إلى فترة مبكرة أقدم من عصر باربار ، وقد اكتشفت في هذه الطبقات تركة أثرية هامة ، تتمثل في رؤوس سهام وكسر حجرية كالسكاكين والمكاشط و 200 كسرة فخارية ، تتميز بأنها من النوع الخفيف الأصفر المخضر والمزينة بأشكال هندسية ذات لون بني غامق ، وقد تبين من هذه الدراسة التي قامت بها البعثة بأن هذا الفخار ينتمي إلى عصر حضارة العبيد الأول ( حوالي 4500 ق . م ) . ويرى جي بيبى أن الطبقات السفلى من هذا التل تضم حضارة العبيد ، بينما تضم الطبقات العليا حضارة باربار ، وبين هذه الطبقات يمكن الدليل على وجود التطور من المرحلة الأولى إلى المرحلة الأخيرة ، وقد أدى اكتشاف فخار حضارة العبيد في موقع تاروت إلى المزيد من الحفائر والتنقيبات ، تم تسجيل خمسة عشر موقعاً ، تضم العديد من الكسر الفخارية الملونة ، ومن هذه المواقع موقعان يبعدان نحو 40 ميلاً عن ساحل الخليج ، بينما تقع أغلبية هذه المواقع على الأرض السبخة المحاذية للساحل الحالي ، وقد تم التوصل بالدراسة المقارنة إلى التشابه التام بين غخار حضارة العبيد والفخار الذي عثر عليه هنا ، وشملت الدراسة أيضاً المقارنة بين المخلفات الأثرية المتمثلة في حجر الأوبيسدان والرحى الحجرية ورؤوس السهام والمخارز . وتوجد في الجزيرة العديد من التلال الجيرية المغطاة بالطين والتي تأخذ شكل القمع ، ويضم التل حجرة الدفن ، وسقفها يتألف من كتل من الحجر الجيري وتقع هذه التلال في الجنوب الشرقي من الجزيرة على مقربة من ميناء دارين ، فقد عثر على مقابر تحيط بأضرحتها ملاط من الجبس ، وتتناثر حولها وعلى الأرض العديد من الكسر الحجرية من الا لباشير والا ستتايت . وأهم المعالم الأثرية البارزة فيها قلعتان أثريتان إحداهما في مدينة تاروت ، وقد بنيت على أنقاض هيكل عشتاروت بجوار عين الحمام ، والثانية في الجنوب الشرقي من الجزيرة على الساحل مباشرة ، وتعرف بقلعة محمد بن عبد الوهاب وهي قلعة دفاعية من القلاع التي بناها البرتغاليون في القرن السادس عشر الميلادي ثم جُدد بناؤها عام 1303هـ . ومرفأ دارين نفسه الذي يتمتع بشهرة تاريخية منذ القدم ، والذي كان من أهم الموانيء التجارية في الخليج يضم ثروة دفينة ، وتوجد على مقربة منه اكمات بدائية شاذة التكوين ، يقول عنها الأهالي أنها كانت بقايا مدافن ، وقد التهمها العمران في الوقت الحاضر ، حتى يقال إن بلدة دارين الحديثة تستقر على أربع طبقات من المدن بعضها فوق بعض . وتردد ذكر هذه الجزيرة في كتب جغرافي العرب ، فوصفها أبو الفداء في القرن الثامن الهجري بأنها بليدة في الشرق من القطيف تبعد عنها بنصف مرحلة ، ينحسر البحر ما بينها وبين القطيف في حالة الجزر وتصبح جزيرة في حالة المد ، وفيها كروم تنتج العنب المفضل ، ولعل ذلك راجع إلى خصوبة تربتها المتميزة عن أراضي الواحة وتقع الأراضي الزراعية في الجهة الغربية والشمالية منها ، وكان بها من النخيل قديماً حوالي مئة ألف نخلة ، لم يبق منها في الوقت الحاضر سوى ستين ألف نخلة وهي في تناقص مستمر ، وتروى كلها سابقاً من مصدرين هما عين الحمام الواقعة في الطرف الشمالي الغربي من قلعة تاروت ، وعين الفرسان الواقعة على مسافة نصف ميل منها ، ومياههما عذبة ساخنة ، تزودان سكان الجزيرة بمياه الشرب كما يقول لوريمر وقد انتابها الضعف في الآونة الأخيرة ، فعوض نقص الري بالآبار الارتوازية ، وبسبب حفر هذه الآبار انتشرت الزراعة في الجهة الشرقية من الجزيرة . وتقع جزيرة تاروت في قلب خليج القطيف أو خليج كيبوس ، أو المسمى حديثاً بخليج تاروت ، على بعد 6 كم من مدينة القطيف إلى الشرق ، وتبلغ مساحتها 6 كم من الجنوب إلى الشمال ومثلها من الغرب إلى الشرق ، وكانت في سالف عهدها جزيرة يحيط بها البحر من كل جانب ، أما في حالة الجزر فينحسر الماء في الجهة الغربية منها ، وتستعمل وسائل المواصلات البرية بينها وبين القطيف إلا من خور قليل العمق يسمى (( المقطع )) لا يتجاوز عمقه متراً واحداً . أما في حالة المد فلا سبيل إليها إلا باستخدام السفن . وتتخلل سواحلها بعض الخلجان والرؤوس الصغيرة ، وينحسر البحر عن شواطئها في حالة الجزر ، باستثناء الطرف الجنوبي منها ، فهو عبارة عن رأس داخل في البحر ، والذي يقع فيه مرفأ دارين ، أشهر مرافىء شبه الجزيرة العربية ، فهو الميناء الوحيد الصالح لرسو السفن في حالتي المد والجزر ، وقد اشتهر هذا المرفأ منذ القدم ، فقد مر عليه أحد قادة الإسكندر المقدوني عند عودته من الهند ، بعد أن زار مدينة فينيقيا على الساحل الغربي من الخليج أثناء جولته الإستطلاعية ، وتقول الرواية أنه عرج على جزيرة نيرين ويعتقد أنها دارين ، كما حُظي هذا المرفأ بشهرة واسعة في التاريخ العربي منذ العصر الجاهلي . وصفه ياقوت بأنه فرضة يجلب إليها المسك من الهند ، والنسبة إليه داري . قال الفرزدق :
وجاء في القاموس المحيط داري : العطر المنسوب إلى دارين فرضة بالبحرين بها سوق يحمل إليها المسك من الهند ، ويعتبر اسمها من الأسماء القديمة كتاروت وسيهات ، وقد حاول بعض الباحثين أن يتأول معناها فزعم أنها ترفع بالألف وتنصب وتجر بالياء ، أو أن المقطع الأخير ( ين ) ألحقت بها كأداة تعريف في اللغة الحيرية ( أي الدار) كما فعلوا في تأويل لفظ البحرين ، أو أن معناها باللغة الفارسية ( عتيق ) حسب ماروى الا صمعي أن كسرى سأل من بنى هذه القرية فأجابوه : دارين أي قديم . وقد تمتعت دارين بشهرة فائقة في العصور الخالية ، فكانت محط الأ نظار وطلاب الثروة ، وقد عاشت فترة رخاء وازدهار كبيرين ، إذ كانت السفن ترد إليها من الهند محملة بالتوابل والمنسوجات والسيوف الهندية والمسك والبخور والأحجار الكريمة والعاج والخشب الفاخر النادر ، ومن الصين محملة بالحرير والمنسوجات الحريرية والخضار ، ومن بلا د العرب الجنوبية محملة بالمر واللبان والأ فاويه والبرود اليمانية والعاج الوارد إليها من سواحل افريقيا الشرقية ، ثم تعيد تصديرها إلى جميع أنحاء العالم ، ومنها كان أهل البادية وسكان أواسط شبه الجزيرة العربية يفدون إليها ، فيبتاعون معظم حاجاتهم فتمر قوافلهم عبر الدهناء في طريقها إلى الأحساء والقطيف ، ثم تعبر الجزيرة عبر المياه الضحلة وفي ذلك يقول أعشى همدان :
ودارين هي إحدى قرى جزيرة تاروت الأربع ، التي ذكرها لوريمر فوصفها بأنها قرية محمية بقلعة مربعة تتكون من مئة منزل للسادة ، ومعظم سكانها من بني خالد مع قليل من الجنيدات ، ولا يوجد بها حدائق ولا زراعات ويملك السكان 15 قارباً لصيد اللؤلؤ ، كما أن قرية تاروت مسورة تتكون من 350 منزلاً وهي أكثر كثافة سكانية من بقية القرى ، وتقع في وسط الجزيرة ، وكثير منازلها خارج السور ، ويزرع بها النخيل بكثرة وأشجار الفاكهة ، ويعمل أهلها في الغوص لا ستخراج اللؤلؤ وتجارته ووبعضهم بالزراعة ، وتأتي بعدها قرية السنابس ، وتقع على الساحل الشرقي ، وتتكون من مئتي منزل ، وهي غير مسورة وليس بها حدائق نخيل ويعمل أهلها بصيد اللؤلؤ والسمك ، وتوجد فيها 68 قارباً لصيد اللؤلؤ . أما القرية الرابعة فهي الزور وتسمى ( فنية ) وتقع على الساحل الشمالي للجزيرة ، وتتكون من 40 منزلاً ، وبهابعض الحدائق التي تروى من عين تاروت ، وسكانها من مهاجري أبو ظبي ، من قبيلتي بو فلاسه في عهده كما يقول لا يزيد على أربعة آلاف نسمه . أما الغربية في الوقت الحاضر فقد تغيرت تلك المعالم القديمة للجزيرة ، فقد دفن البحر في الجهة الغربية لمدينة القطيف ، فاتصلت بها وأصبحت تلك الأراضي التي يغمرها البحر سابقاً مناطق سكنية ، فقامت في الغرب أحياء عديدة مثل الدخل المحدود ، واالتركية والمنيرة والمزروع والناصرة ، حتى انتفت صفة الجزيرة عنها ، وتحولت إلى شبه جزيرة ، لا تصالها بالبر من الجهة الغربية ، ويربطها الآن بمدينة القطيف شارع معبد منور بالكهرباء ذو اتجاهين ، يسمى شارع أحد ، وعند مدخلها توجد مصانع الألمنيوم والحدادة والطابوق وورش إصلاح السيارات كما ترتبط قراها بشوارع معبدة ، فيشق وسطها شارع رئيسي يمر بمدينة تاروت حيث السوق التجاري ، ويجتازها ، إلى الربيعية وهي قرية حديثة ، ثم يصل إلى السنابس ، وبعدها ينعطف إلى الجنوب ، وينتهي إلى دارين ، كما يوجد شارع من الغرب يربط دارين بتاروت وآخر بالسنابس والزور ، ويتجه غرباً ، ويلتقي بالشارع العام بالقرب من مدخل الجزيرة ، وتبعاً لنمو السكان وانتشار حركة العمران ، فقد زحفت المباني في بلدة تاروت على البساتين المجاورة فتكونت أحياء جديدة ، كالخارجية والدشة والأرش والحوامي والوقف وأرض الجبل كذلك الأمر في السنابس ودارين والربيعية . وتاروت تعتبر من المراكز العلمية والثقافية في القطيف منذ القدم فقد أنجبت بيوتاً علمية كآل سيف وآل معتوق وآل الصفار ، وظهر فيها علماء مجتهدون أمثال الشيخ عبدالله المعتوق وشعراء مبرزون أمثال عبد المحسن التاروتي وحسن التاروتي ومحسن الملهوف التاروتي . ونظراً لأهمية الجزيرة فقد أقيم فيها مركز إداري ( إمارة ) ومركزللشرطة والدفاع المدني وبلدية ومركز للبريد في تاروت ودارين ومندوبية للرئاسة العامة لتعليم البنات ، وفتح فيها فرع لبنك الرياض والبنك السعودي البريطاني ، كما يوجد في الجزيرة ، وفي الجزيرة العديد من المدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية للبنين والبنات . ويوجد فيها نشاطات اجتماعية ، ففيها جمعيتان خيريتان إحداهما بتاروت والأخرى بدارين ، وفيها ثلاثة نوادٍ رياضية في تاروت والسنابس ودارين والعديد من رياض الأطفال ، وسوق للسمك وأخر للخضار والعديد من المحلات التجارية . ولجان للزواج الجماعي ، وكفالة اليتيم ، ومن أراد الزيادة فعليه التوجه لموقع جزيرة تاروت . [ الصفحة السابقة ] [ البداية ] |