الجذور الأساسية للسكان

جغرافية المنطقة وعلاقتها بالسكان :

الموقع الجغرافي للخليج العربي بحكم كونه ممرّاً عالمياً في الأزمنة الغابرة وهمزة وصل بين الشرق والغرب ، كان ملتقى لجميع الأمم والأجناس ، وقد حفل بروافد عديدة من السكان ، فمن ثمَّ ذهب علماء الأثار إلى أن أثار الأستيطان البشري في منطقة القطيف ( شرق المملكة ) أكثر وضوحاً في أي جزء آخر من المملكة " كتاب مقدمة عن الآثار بالمملكة العربية السعودية " .

الأثار السكانية :

لقد اكتشف علماء الآثار في هذه المنطقة آثاراً قديمة تعود إلى العصر الحجري والعصر النحاسي والبرنزي ، عثروا عليها في مناطق كثيرة من الخليج العربي ، وعثروا كذلك على اثار مختلفة أحدث منها ، تعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد وما بعده ، ولكنهم لم يتمكنوا من اكتشاف هوية الأقوام الذين خلفوها ، فنسبوها إلى البقاع التي اكتشفت فيها ، وصنفوها حسب أعمارها وطرازها ، كالعصر العبيدي وعصر الوركاء وجمدة نصر ، وباربار ، وأم النار وغيرها ، ومعنى ذلك أن تاريخ سكان هذه المنطقة يمتد إلى تلك العصور المغرقة في القدم ، ويعود إلى العصور الأولى من تاريخ البشرية .

وأقدم ما استقصى من معلومات بان هناك ثلاث أجناس من الإنسان البدائي الأول ، التقت على شواطئ الخليج ، وهم الجنس الدرافيدي والأور الأفريقي أو الحامي ، ثم المغولي " يرجع علماء الأجناس والسلالات جميع سكان الكرة الأرضية إلى أصول ثلاثة الجنس القوقازي وهم سكان غرب ووسط آسيا وشمال أفريقيا واروبا ، والجنس المغولي ويشمل سكان شرق آسيا كاليابان والصين ، والجنس الزنجي وهم سكان افريقيا السوداء " ، فالجنس الدرافيدي يرجع أصله سلالياً إلى الهند ، والحامي إلى أفريقيا ، والجنس المنغولي إلى شرق اسيا . وهذه الأجناس سبقت الأجناس السامية التي استوطنتها ، وهم الرعاة من سكان الجزيرة العربية الذين نزحوا إليها ، ولا يعرف من هم أصحاب الرؤوس السوداء من هؤلاء ، وهم السكان الذين أطلق عليهم هذا اللقب في النصوص الأكدية .

أما الشعوب السامية التي ظهرت في الشمال منذ فجر السلالات الأولى وازدهرت حضارتها كالسومريين والأكديين والآشوريين والبابليين والكلدانيين والفينقيين ، فيرجع أكثر الباحثين إلى أنهم نزحوا من هذه المنطقة في فترات متعاقبة .

وقد اشتهر من سكانها الساميين الأوائل قوم عرفوا بالكنعانيين وتحدر منهم العمالقة وهم ابناء عمليق الذين تفرعت منهم قبيلة جاشم وهي القبيلة التي يتألف منها سكان البحرين وعُمان ، ويقول ابن الأثير في تاريخه أن أهل البحرين وعُمان هم من العمالقة الذين يقال أنهم من الكنعانيين وإلى هؤلاء كما هو الشائع على ألسنة السكان يعزى حفر العيون القديمة في الواحة .

وتحدر من الكنعانيين فئة عرفت بالفينقيين أخيراً ، هاجرت من هذه المنطقة إلى سواحل البحر الأبيض المتوسط الأسيوية والأفريقية ، ويقول فريد وجدي في دائرة معارفه : أنه في سنة 2500ق . م أخدت سواحل البحر الأبيض المتوسط تأهل بقدوم نزوح من الشرق وقالوا أنهم من الكنعانيين ، وكانت مدائن الكنعانيين على سواحل الخليج في اقليم بلاد العرب المعروف الأن باسم القطيف أو البحرين ، ويذكر القديس أغسطيس ( 353-430 م ) أن ابناء المستعمرات الفينقية القديمة ام يكونوا في أيامه قد نسوا موطنهم الأول ، فكان الفلاح إذا سئل من هو ؟ أجاب إنه كنعاني .

وخلال هذه الأحقاب المتعاقبة التي امتدت إلى العهد الذي تعرف فيه اليونانيون على الخليج ، حفلت هذه المنطقة بالوان عديدة من السكان وأفواج من بقايا الجيوش الغازية التي استطابت الإقامة فيها من أكديين وآشوريين وبابليين وفرس وغيرهم ، لا سيما بعد ان وطأت جيوش الأسكندر المقدوني سواحل الخليج فأنشأوا مراكز ومحطات على السواحل لتموين السفن بالزاد والماء ثم ما لبثت هذه المواكز أن صارت أسواقاً لتبادل السلع والنشاط التجاري ، فأقام جمع منهم في هذه الأسواق الجديدة واستوطنوها واتخدوها داراً لهم ووطناً جديداً ، فلما زالت الدولة السلوقية " نسبة إلى سلوقوس أحد قواد الأسكندر الذي استولى على سوريا وآسيا الصغرى بعد موت الأسكندر وأسس الدولة السلوقية وجعل عاصمتها سلوقيا على شاطئ دجلة " في العراق وزال نفودهم السياسي والعسكري بزوال دولتهم ضعفت تلك المستوطنات ، وانقطعت روابطها بالأم ، فهاجر من هاجر ، وتأقلم الباقون واستعربوا بالتدرج حتى صاروا عرباً مثل سائر العرب .

الأهتمام باستكشاف المنطقة والقبائل العربية :

قد اهتم الرحالة والمستكشفون من اليونانيين وغيرهم بهذه المنطقة فوضعوا لها الخرائط ووصفوا مدنها وقبائلها وأحوال سكانها كالجغرلفي اليوناني سترابون وديورس الصقلي وأزيدور الكراكسي وبلينوس ، ويأتي في طليعتهم بطليموس صاحب كتاب الجغرافيا الشهير الذي ذكر عدداً من القبائل كانت تسكن هذه المنطقة ومن بينها قبيلة لينيتي التي كانت تسكن القطيف ، وهي فرع من اللحيانيين على رأي كلاسر وشبرنكر وقبيلة أخرى تسمى تيم وهي من القبائل المتحدرة من بني عبد القيس ، ومن القبائل قبيلة كيبي والتي سمي خليج القطيف بأسمها كيبوس والذي تقع فيه جزيرة تاروت ، وقبائل أخرى من بني عبدالقيس ، ويبدو ان تاريخ تلك القبائل العربية ضارب في القدم يمتد إلى ما قبل الميلاد .

ومن القبائل أيضاً قبيلة جلبوس وقبيلة كيتي وقد تسمى الساحل الغربي للخليج الممتد من البصرة إلى قطر بأسمها ( ساحل الخط ) لدى الجغرافيين العرب ، وهناك قبيلة زوراري أو زوراكي وربما كان لأسمها علاقة بمدينة الزارة المشهورة في التاريخ الإسلامي ، والواقعة على مقربة من العوامية ، والتي كانت حاضرة لهذه المنطقة .

ومن الملاحظ أن كثيراً من القبائل العربية التي أشار إليها المورخون الإغريق ، قد ذكرها المورخون العرب بشئ من التفصيل بل ذكروا إلى جانبها قبائل كثيرة استوطنت هذه المنطقة ، كقبيلة جاشم المتحدرة من العمالقة وقبيلتي طسم وجديس البائدتين ، هذا إلى جانب حديثهم عن قبائل مشهورة أخرى مثل قضاعة وقبيلة الأزد وقبيلة اياد وبني تميم وبكر بن وائل وتيم الله وقبيلة عبد القيس التي رسخت جذورها في هذه المنطقة وانتشرت فروعها فيها . وقد زخرت هذه المنطقة بمختلف القبائل العربية سواء العدنانية أو القحطانية.

حلف التنوخ :

يبدو من حديث الطبري أن قبيلة الأزد هي أول قبيلة عربية عرفت با ستيطانها بلاد البحرين ، كما كان لها وحدها السيادة على بلاد الخليج وفي ذلك يقول الشاعر

وأرض عمان ثم أرض المشقَّر

 

وأزد لها البحران والسيف كله

ثم لحقت بها قبيلة قضاعة القادمة من تهامة بزعامة مالك وعمرو ابناء فهم بن تيم الله بن اسد بن وبرة ، ومالك بن زهير بن عمرو بن فهم بن تيم الله بن أسد ، مع عدد من القبائل العربية كقبيلة قنص بزعامة الحيقار بن الحيق ، وقبيلة إياد بزعامة غطفان بن عمرو بن الطمثان وزهر بن الحارث بن الشلل وصنح بن صنح بن الحارث ، فاجتمعت هذه القبائل بالمنطقة ، وعقدت حلفاً فيما بينها وتحالفوا على التنوخ ( اي المقام ) وتعاقدوا على التناصر والتآزر ، فصاروا يداً واحدة وشملهم اسم التنوخ ، ولما تمت مصاهرة قبيلة قضاعة لقبيلة الأزد بزواج جذيمة الأبرش الأزدي من لميس أخت زهير بن عمرو بن فهم القضاعية توثقت عرى الروابط بين القبيلتين فانضمت الأزد إلى الحلف التنوخي ، فكانت لهم جميعاً السيادة على بلاد البحرين .

وحين قدمت قبائل بني عبد القيس " اشهر بطونها شن ولكيز ووديعة وغنم ودهن والبراجم زنكرة وصباح وذهل " من تهامة بزعامة عمرو بن الجعيد المعروف بالأفكل وسيد ربيعة في الجاهلية إلى بلاد البحرين تصدى لها جمع من قضاعة وإياد لطردها من أراضي المنطقة ، فحملت إياد على قبيلة شن إحدى قبائل عبد القيس التي يرأسها سعد السعود الشني وفتكت اياد بقبيلة شن فتكاً ذريعاً ، حتى كادت تفنيها ، غير أن حشوداً من بني عبد القيس هبت لنصرتها ، فحملت على قضاعة فهزمتها شر هزيمة ، ثم مالت على إياد وجموعها ، وأصلتها قتلاً ذريعاً ، وألحقت بحلف تنوخ هزيمة فادحة حيث لحقت فلولهم ليلاً بالعراق .

انهيار حلف التنوخ وسيطرة بنو عبد القيس على المنطقة :

منذ ذلك الحين تصدع حلف تنوخ في بلاد البحرين ، بانسحاب قضاعة ، وعلى رأسها مالك وعمرو أبناء فهم بن تيم الله وجذيمة الأبرش زعيم الأزد ومغادرتهم البلاد إلى الأنبار والحيرة بالعراق حيث كونو فيما بعد الدولة التنوخية التي تعاقب على عرشها هؤلاء الثلاثة ، وقد انفسح المجال لقبيلة إياد بالسيادة على بلاد البحرين .

غير ان قبائل بني عبد القيس استشعرت في جانبها القوة ، لزحزحة إياد ومنافستها لا سيما بعد أن هزمت حلف تنوخ ، فصممت على أن يكون لها موطئ قدم في البلاد ، فدخلت القبيلتان في معارك دامية ، أسفرت عن هزيمة قبيلة إياد وجلائها عن البلاد .

وبعد ان تمكن بنو عبد القيس من السيطرة على البلاد توزعوها فيما بينهم فانتشرت قبائلهم في ارجاء المنطقة ، فنزلت بنو حفص صفوى ، وبنو نكرة بن لكيز القطيف ، وما حولها والشفار والظهران وما بين قطر ، وبنونة وبنو جذيمة بن عوف منطقة الخط وأفناءها ، ونزلت قبيلة شن ابن أفضى طرفها وأدناها إلى العراق ، ونزلت قبائل بنو عامر ابن الحارث بن أنمار بن وديعة ومعهم قبيلة العمور وبنو محارب بن عمرو و عجل بن عمرو منطقة الجوف والعيون والأحساء ، وانتشر بنو عبد القيس في المدن والقرى ، وخالطو السكان القدماء ، وشاركوهم في أسلوب حياتهم ، وزاولوا الزراعة والصناعة ، واستوطن كثير منهم المدن والأرياف وتغيرت حياتهم من حياة البداوة إلى حياة الحضر والأستقرار واصبح تشدهم إلى هذه المنطقة روابط وطنية وعلاقة قوية بالأرض ، وعلى عكس ممن سبقهم من القبائل التي هيمنت على المنطقة مثل قبائل تنوخ الذين احتفظوا بباديتهم في انتشارهم في الصحاري المجاورة ، وقد بقي بنو عبد القيس في هذه المناطق محتفظة بها عند ظهور الإسلام .

الهجرات من المنطقة وإليها :

ومن الملاحظ حتى بعد ظهور الإسلام وانتشاره في المنطقة وفي مختلف الدول المتعاقبة على المنطقة ولأسباب سياسية او طائفية أو اقتصادية أو اجتماعية شهدت المنطقة تنقل عوائل كثيرة منها وإليها ، فعندما ينعدم الأمن والرزق في أحد المناطق المجاورة لها تشهد هذه المنطقة وفود العديد من العوائل إليها وأيضاً العكس صحيح ، لذلك نجد أن هناك عوائل كثيرة أصولها من نجد مثل كآل البيات الذين ينحدر منهم آل بو السعود وآل نصر الله وآل ناجي وآل نصر ، وكذلك آل نمر وآل فرج وآل زاهر من العوامية ، الذين ينحرون من سلالة ابن عفيصان من نجد ، وكذلك آل إبراهيم من صفوى الذين كان مسكنهم سابقاً حائل .
وهناك عوائل نزحت من البحرين مثل آل جشي والخنيزي والمسلم وآل عبدالجبار وغيرهم ، وهناك عوائل نزحت من القطيف إلى دول مجاورة مثل البحرين والعراق وما زال هناك كثير من العائلات ، ترجع انتسابها إلى عائلات خليجية ، وهناك حي كبير في لواء المنتفق بالعراق يعرف بحي القطافة ، يتألف سكانه من مهاجري منطقة القطيف .

المصادر :

- واحة على ضفاف الخليج - القطيف - - محمد سعيد المسلم / الطبعة الثانية مطابع الفرزدق / الرياض
- العرب قبل الإسلام - د / جواد علي مطبعة التفيض / بغداد 1951 م
- تاريخ الأمم والملوك - لابن حرير الطبري / الطبعة الرابعة / منشورات الأعلمي بيروت 1983م .
- صفة جزيرة العرب للهمداني - مطبعة السعادة / مصر 1953م .

[ الصفحة السابقة ] [ البداية ]