شروط كشف الوجه عند من يجيزه 

      القسم الثالث:- هناك من جـوَّز كشف الوجه والكفين، لكن هذا الجواز مشروط بشروط، إن توفرت كلها جاز الكشف، وإلا فهو حـرام ، واليك هذه الشروط :-

       1_ أن لا تكون هناك ريـبة .

       2_ أن لا تكون هناك شهوة أو لذة .

       3_ أن لا يكون هناك خوف افتتان .

       4_ أن لا تتزين .

       5_ أن لا يؤدي كشف وجهها إلى وقوعها في المحرم .  

     قبل التحدث عن هذه الشروط، وانطباقها على مجتمعنا القطيفي، نقول:

       إن كشف الوجه تارة يكون أمام المحارم، أي أن المرأة تكشـف عن وجهها أمام المحارم، فيكون حكم هذا الكشف كالتالي:-

       إن كـان كشفها يؤدي إلى أن يتلذذ محرمها_أعني محارمهـا باستثناء زوجها_بالنظر إليها بشهوة، فهذا حرام من دون أدنى شبهة، وهذا عادة لا يحدث، بأن يتلذذ محرم في نساءه بطريق الشهوة، نعم قد يحدث ذلك نادراً ، فإذا كان كذلك فيجب على المرأة أن تستر وجهها وكفيها عنهم .

       وأما إذا كان الكشف لا يحصل معه تلذذ بشهوة، فيجوز الكشف .

       لكن ذلك الحكم بالنسبة إلى المحارم، ونحن بصدد الحكـم في كشف وجهها وكفيها أمام الأجانب، فإذا كان كذلك وأسفرت المرأة عن وجهها أمام الأجانب، فهلمَّ معي للنظر إلى هذه الشروط، وانطباقها في مجتمعنا القطيفي .

       أولاً :- أن لا يكون هناك افتتان : أي أن لا تكون هناك فتنة بوجه عام في المجتمع، وقبل التطرق إلى انطباق هذا الشرط من عدمه، يجب أن نعرف معنى الافتتان .

     (سؤال وجه للسيد الشيرازي : ما معنى خوف الافتتان والريبة؟ وهل يشمل الرجل والمرأة أو يختص بأحدهما ؟

       جواب : خوف الافتتان بمعنى خوف وقوع أحدهما في الحرام، والريبة بمعنى النظر بقصد السوء وإن لم تحصل لذة فعلاً، ويشمل كليهما)، وقـال الدكتور أحمد فتح الله "الافتتان: في اللغة الابتلاء والاختبـار، وفي الشـرع الوقوع في الحـرام "(1).  

       فإذاً، الافتتان هو عبارة عن خوف_فضلاً عن اليقين_ وقوع الرجـل أو المرأة في الحرام .

       أسألك بالله العظيم، أليس نظر الرجل إلى المرأة في مجتمعنا _ بل في أي مجتمع آخر_ يسبب فتنة ؟!، أي نظراً محرماً، إن كنت منصفاً ومتواجداً بين صفوف المجتمع، ستجيب ببلى، وإن كنت مكابراً وبعيداً عن ما يحـدث من ملاحقات ومطاردات وجرائم وغير ذلك، بسبب خروج المرأة كاشفة، سيكون لك جواب آخر .

       وإذا كان النظر إلى وجه المرأة بريبة، فقد دخل دائرة الافتتان، وعليه فقد دخل دائرة الحرام .                                      

       ولماذا تذهب بعيداً ؟!، فإن الإنسان المؤمن يخاف على ابنته الصغيرة أن تخرج مكشوفة الوجه، بل إن أهل البيت المؤمنين يخافون من خروج صبي صغير عليه شئ من الجمال بمفرده، تُرى من ماذا يخافون عليه ؟! يخافون عليه افتتان أتباع الشيطان به، وما أكثرهم، فكيف بالمرأة الشابة ؟!، راقبوا الله في نساء المؤمنين .

       ثانياً :- أن لا تكون هناك ريبة، ومعنى الريبة هو النظر بقصد السوء وإن لم تحصل لذة فعلاً(2)، فعلى هذا، فإن النظر بهذا الوصف حـرام، ولا تنسَ "وإن لم تحصل لذة فعلاً"، فإن معنى اللذة هو المتعة والاستئناس برؤية الشيء، ثم قال "فعلاً" أي على وجه الحقيقة . فيكون المعنى: أن النظـر إلى وجه المرأة بقصد الاستئناس برؤيتها، حرام وإن لم يتلذذ على وجه الحقيقة .

       ثم إن النظر بذلك القصد_أعني قصد السوء_، كأن يرى جمال وجهها ومفاتنـها، فيقوده ذلك إلى فعل الحرام، فإن النظـر سهم سـام من ابليس وجنوده(1). فالرجـل لا يدخل إلا من خـلال نافذة مفتوحة، كما يقفـز السارق إلى البستان من خلال بابه أو فتحة في سياجه، وأي نافذة هي أوسع من وجه المرأة ؟!، وتزداد هذه النافذة إغراءاً إذا بُرقعت أو نُقبت .

       ثالثاً:- أن لا تكون هناك شهوة أو لذة، والمراد من النظر بالشهوة، أو النظـر التذاذاً كما ورد في النص بأن زنى العين النظر، فالنظر الاستمتـاعي الغريزي نظير النظر إلى المحللة تمتعاً والتذاذاً هو المـراد من النظر بالشهوة، ويقابله النظر الاعتيادي كالنظـر إلى الشجر والمدر(2).وفي مجتمعنا هلمَّ إلى الأسواق والمتنزهات والأماكن العامة، وانظر المعتكفين من الرجـال لغرض التلذذ بالنظر إلى وجوه المتبذلات، وتصفح وجوه النسـاء المتبذلات، فهذا دليل واضح لكل عاقل لبيب .

       رابعاً :- أن لا تتزين المرأة، فالمرأة زينة وإن لم تضع زينة، كما لا يخفى عليك ما عليه النساء في مجتمعنا من التزين والاهتمام بهذه الأمور، فإنه يندر خروج امرأة دون أن تضع زينة، وإن كنت لا تصدق هذه الأمـور ، فاسأل زوجتك،أو أختك، أو أمك عما تراه في حفلات الزفاف على النساء، حتى على الصبايا الصغيرات لتقتنع . بل يكفي المرأة زينة _على زينتها الحقيقية_خروجها وهي متعطرة مما يجذب إليها الأنظـار، ولو من مسافة بعيدة .

       وقد عرفت مما قدمناه أن الحجاب كان موجوداً في الشرائع السابقة على الاسلام،حتى عند العرب أنفسهم، وإن اختص ببعض منهم دون الآخر،  وذلك لما في الانسان من القوة النفسانية المسماة بالغيرة، لأن المرأة موضع للشهوة، فتبذلها وعدم احتجابها يعرضانها إلى ما لايحمـد عقباه، فكان من الرحمة الالهية أن جاء وجوب الحجاب للمرأة في الاسلام (1). اضافة إلى أن عدم احتجاب المرأة تخالف شرعها الحنيف لما قد تسببه من اشاعة للفسـاد وانتهاك المحرمات التي أمر الله تعالى الابتعاد عنها .

       خامساً :- أن لا يؤدي كشف وجهها إلى وقوعها في الحـرام، وقد عرفت ذلك مفصلاً، فراجع . وعرفت أن كشف المرأة وجهها في بلادنا، يوجب الوهن، أي الاحتقار، وتكون منبوذة من العاقلين، وكذلك جلـب أنظار الأجانب إليها، حسب تشخيص الشيخ التبريزي(دام ظله).بل حسبك أن في خروج المرأة متعطرة، ووجوب لفت الأنظار باتجاهها، أن يكون ذلك حراماً قد أوقعت نفسها فيه. فإن حلال محمد صلى الله عليه وآله حلال إلى يوم القيامة، وحرامه حرام إلى يوم القيامة، بل إن حلاله صلى الله عليه وآله حلال في كل مكان وفي كل زمان، وكذلك حرامه، فكشف الوجه حرام في مجتمعـنا وفي غيره ، فهل يُعقل أن المرأة تُفِتن في مجتمعنا_القطيف_ ولا تفتن في غيره كالبلاد الغربية مثلاً ، أو بعض الدول الاسلامية؟!.

       إن من ينكر أن المـرأة لا تفتن، أو أنها تفتن في بعض المجتمعات، ولا تفتن في غيره، فإن ذلك يعتبر مكابراً للفطرة التي أودعها الله سبحانه وتعالى في الإنسان، فإن الانسان بطبعه وبغريزته، يميل إلى الجنس الآخر ، بل يعتبر مخالفاً لتلك الفطرة، أو يقول أنها مفتنة لبعض الأشخاص فقط، دون بعضهم الآخر، فإن ذلك الشخص يعتبر معصـوماً، أو من أمثال الصالحين كأبي ذرٍ والمقـداد وعمار وغيرهم من العارفين، فهل مجتمعنا مثلهم ؟! .        

       وأما الحجاب فإنه سد منيع بين المفاسد، ولو لم يكن فيه من الفوائد الا دفع الفتنة، واتقاء التهمة، وعزة النساء لدى الرجال، وابقاء المرأة في برد حيائـها وعدم طمع الأغيار فيها، لكان جديراً بالوجوب. كيف وفوائـده أضعاف هذه الأمور(1).

       وهناك من يختلق الاشكالات، بل إن أكثرها من النساء، بقولهـا: أنا واثقة من بنفسي من عدم الانحراف والانزلاق في الفسـاد فلا يلزم أن التزم بستر الوجه !، والجواب عن هذا الاشكال :-

       أولاً :أن الحجاب واجب شرعي على النساء، في جميع الأحوال، وفي جميع البلاد، سواء كنتِ واثقة بنفسكِ أم لا .

       ثانياً: إن الثقة وحدها لا تجدي، لأن النفس أمارة بالسوء،] إن النفس لأمارة بالسـوء إلا ما رحم ربي [(1).

       ثالثاً: إن سفورك بكشف الوجه أو العينين يُسبب إثارة الغريزة في مَنْ يراكِ، في معظم الأحـوال، وقد يؤدي به إلى الفساد والمنكرات، إن لم يكن معكِ فمع غيركِ، فهل هذا جائز أيضاً ؟، لأن مقدمة الحرام حرام، كما هو مقرر في أصول الفقه .

       ثم عليكِ_ أختي المؤمنة_ أن تكوني فخورة بربك وأحكامك، فخورة بحجـابك، لأنك تطيعين الله رب العالمين في هذا القانون الحكيـم، ولذلك تكتسبين الأجر والثواب العظيم في الحجاب، بينما المرأة السافرة عن محاسنها _ بما في ذلك الوجه او أي جزء منه_ تبوء بالإثم والعدوان وهي سافرة .

      إن قيمة المرأة بدينها وحيائها وعفافها، وإن الحجاب هو المفتاح الذهبي لذلك، فالتزمي به يرحمكِ الله تعالى، فالحجاب سمو وهيبة ووقار، فعليكِ به .

       إن خفر المرأة وفرط حياءها، يصونها من أن تكون هي المبتدئة في هذا المجال، وإن الرجل إذا غض بصره، وملك أمره، وأبدى اتزانه، فقد انهار أكبر الدواعي لتبرج المرأة، فإنها لن تتبرج ولن تبدي زينتها، ولن تعرض فتنتها واغرائها الا لتلفت نظر الرجل اعجابه(2).

      نعم نحن لا ننكر أن في مجتمعنا نساء مؤمنات خفرات خيرات ملتزمات بستر الوجه،طاعة لله رب العالمين جلَّ وعلا، فهنيئاً لهن بهذا الالتزام العفيف، فهن أقوى من أقـوال المشتبهين في مسألة الحجـاب، يعرفن مغزى هـذه المفتريات والشبهات، فعلى هؤلاء المؤمنـات عدم الاكتارث بمثلها، وعليهن أن يبيـِّنَّ ضعف تلك الأقوال، ويفندنها للمؤمنات المغررات بهن، فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يعصمهن وإيانا بحق محمد وآله الطاهرين .       

       e   ملاحظة هامة : لا يُقصد بالنظر، أنه النظر الحقيقي المجرد بالعين، بل يتحقق بالتفكير والاهتمام بها عند مرورها بقصد السوء، بل إن الالتفات إليها بقلبه بذلك القصد، يكفي لتحقق النظر .

الفهرس البداية