أقسام الاحتياطات

       بيان ذلك :- أن الاحتياطات على قسمين :-

       الأول : احتياطات المجتهد، ويبحث الفقيه عنه باعتباره إحدى نتيجتي الاجتهاد، والنتيجة الأخرى المعبرة عن الجزم بالحكم أو ترجيح الحكم استناداً إلى الحجة الشرعية والاحتيـاط_بهذا الاعتبار_ من شؤون المجتهد في مقام الاستنباط(2) .

       يقول الشيخ محمد مهدي شمس الدين ( رحمه الله تعالى ) :

       { فاحتياطات الفقيه _من حيث منشؤها _ على قسمين :-

       الأول :- أن تنشأ من عدم استيفاء الفقيه للاطـلاع على الأدلة، أو عدم استيفاء الفحص عن عوارض الأدلـة من التقييد والتخصيص، أو من جهة تعارض الأدلة وعدم امكان الجمع العرفي بينهما فيما هو مورد لأصالة الحل والاباحة شرعاً وعقلاً .

       وفي هذا القسم لا تكون للفقيه فتوى في المسألة، فإما أن يهمل ذكرها أو يأمر فيها بالاحتياط . وفي الحالتين يتخير المقلد في هذه المسألة بين العمل بالاحتياط وبين الرجوع إلى فقيه آخر لمعرفة حكم المسألة مع مراعاة الأعلم فالأعلم . ومن هذا الباب ما أفاده استاذنا السيد الخوئي (قدس سره) في رسالته العملية وهو قوله " إذا تردد المجتهد في الفتوى، أو عدل من الفتوى إلى التردد، تخير المقلد بين الرجوع إلى غيره وبين الاحتياط إن أمكن " .

       الثاني :- أن تنشأ _الاحتياطات_ من جهة اجمـال الدليل عند الفقيه، أو جهة تعارض الأدلة وعدم امكـان الجمع العرفي بينهما فيمـا هو مورد لأصالة الاشتغال شرعاً أوعقلاً .

       وفي هذا القسم تكون الفتوى هي الاحتياط، فينبغي أن يجب على المقلِّد العـمل بالاحتياط، ولا يجوز له الرجـوع إلى مجتهد آخر بنـاء على وجوب تقليد الأعلـم، لأن فتوى الفقيه الآخر في المسألة بحكـم مخالف للاحتياط مبنية على نظر غير صحيح عند الأعلم، فالرجوع في المسألة إلى غيره في هذه الحالة رجوع عن العالم إلى الجاهل وليس رجوعاً إلى العالم .

       والظاهر أن استاذنا السيد الخوئي(قدس سره) قد لاحظ ما ذكرناه في ما أورده في شأن احتياطاته، حيث قال " الاحتياط المذكور في هذه الرسالة، إن كان مسبوقاً بالفتوى أو ملحوقاً بها، فهو استحبابي يجـوز تركه، والا تخير العامي بين العمل بالاحتياط والرجوع إلى مجتهد آخر، الأعلم فالأعلم . وكذلك موارد الاشكال والتأمل . فإذا قلنا : يجوز على اشكال، أو على تأمل، فالاحتياط في مثله استحبابي . وإن قلنا يجب على اشكال أو على تأمل، فإنه فتوى بالوجوب، وإن قلنا المشهور كذا، أو قيل كذا، أو فيه تأمل، أو فيه اشكال، فالـلازم العمل بالاحتياط، أو الرجوع إلى مجتـهد آخر }(1).              

 

       ومجمل الكلام أن احتياطات المجتهد على نوعين:

      

      النوع الأول : وهو قسم يستند إلى عدم علم المجتهد بالحكـم في مورد الاحتياط، فيحتاط في الفتوى، أو بعبارة أخرى أن المجتهد لا يعلم الحكم بخصوص مسألة ما _مثلاً _ فيحتاط فيها، فلعل غيره من المجتهـدين يعلم حكمها، وهذا النوع يسمى بـ "الاحتياط في الفتوى" عند المجتـهد، أو الاحتياط الوجوبي عند المقلد_بالكسر_، كما إذا قال الأحوط وجوباً أو غير مما سنذكره بعد قليل، فله تعابير مختلفة تدل عليه .

       وهذا النوع يجوز للمقلد_بالكسر_ الرجوع فيه لمجتهد آخر مع مراعاة الأعلمية، أو البقاء على تقليد المجتهد .            

       النوع الثاني:وهو قسم يستند إلى علم المجتهد بانسداد الطريق إلى الحكم، فيفتي بالاحتياط، أو بعبارة أخرى أن المجتهد يعلم حكم المسألة ، ولكن طريق الحكم منقطع للوصول إليه، ويسمى بـ " الفتوى بالاحتياط".

       وهذا النوع يجب العمل به، ولا يجوز تركه، والرجوع فيه إلى مجتهد آخر، كما إذا قال يجب على الأحوط، أو يجب على إشكال، أو على تأمل ، فإنه فتوى بالوجوب  ومثالنا من هذا القبيل .

 

      الثاني :احتياطات المقلد_بالكسر_، باعتبار الحجة على المكلف باعتبار أن المجتهد يبحث عن الاحتياط باعتبـاره من شؤون المقلِّد في اتباعه لفقيهه (مقلده) في الموارد التي ليس له فيها فتوى(1)،  وهذه الاحتياطات على نوعين أيضاً :-   

       النوع الأول: الاحتياط الوجوبي:وهو الاحتياط الذي لا يكون مسبوقاً ولا ملحوقاً بذكر فتوى، وهذا يتخير فيه المقلد_بالكسر_بين العمل به أو الرجوع فيه لمجتهد آخر مع مراعاة الأعلمية، كما إذا قال : فيه تأمل أو إشكال أو نظر، أو قال: محل تأمل أو غيره مما ذكر، ولم يسبقه بذكر فتوى ، ولم يلحقه، أو قال الأحوط...."كذا وكذا"……ولم يلحقه أو يسبقه بذكـر فتوى، وليس مثالنا من هذا القبيل كما يدعون .

       النوع الثاني:الاحتياط الاستحبابي:وهو الاحتياط الذي يكون مسبوقاً أو ملحوقاً بذكر فتوى، كما إذا قال : الأحوط …"كذا وكذا"… وإن كان الأظهر أو الأقوى خلافه، أو قال ……"كذا وكذا"…… وإن كان أحوط، أو وإن كان تركه جائزاً، وما أشبه، ومثله قوله: يجوز على إشكال، أو على تأمل أو الأحوط الأولى .

       وهذا النوع من الاحتياط يجوز العمل به ويجوز تركه، وإن كان العمل به أحوط(1).

       نعود إلى أصل الموضوع، فمن يحتاط من الفقهاء المذكورين، إنما يفتي بالاحتياط لا أنه يحتاط في فتواه، وعليه فتعتبر هذه فتوى، فلا يجوز تركـها، ولا الرجوع إلى مجتهد آخر، بل يجب العمل بها .

       ومثل هذا النوع من الفتيا يقول به السيد الخوئي، والسيد الروحاني، والسيد الكلبايكاني، والشيخ الغروي "قدس الله أسرارهم". الشيخ محمد إسحاق الفياض دام ظله العالي .

الفهرس البداية