الأقتصاد والتجارة

الموقع الجغرافي للقطيف بؤها مركزاً إستراتيجياً في الأيام الغابرة ، وجعل لها أهمية اقتصادية كبرى منذ أقدم العصور ، فهي تقع على مشارف الصحراء ، حيث ترتبط بالمواصلات البرية ، عبر طرق تجارية معروفة ، كما تستقر على ساحل الخليج مباشرة ، حيث تفد إليها السفن التجارية عبر موانيها من جميع أنحاء العالم محملة بمختلف البضائع ، فكانت بمثابة همزة الوصل بين تجارة الشرق والغرب .

هذا بالإضافة لإنتاجها الزراعي ، كالتمر والسلوق ، الذي كانت تصدر منه كميات كبيرة إلى بلاد الخليج وشرق أفريقيا والهند ، وكانت القوافل تنقل إنتاجها الزراعي عبر الصحراء إلى نجد وغرب الجزيرة .

ومصادر ثروتها البحرية لا تقل عن انتاجها الزراعي ونشاطها التجاري ، فمصائد اللؤلؤ المتاخمة لشواطيها كانت تدر على العاملين في الغوص أرباحاً طائلة .

وكانت هناك بعض الصناعات المزدهرة مثل صناعة الرماح الخطية ، والثياب الظهرانية " نسبة إلى الظهران التي كانت ضمن حدودها من الناحية الجنوبية " ، وكانت إلى عهد قريب توجد فيها أنواع النسيج الخاصة بإنتاج الأقمشة الصوفية والعباءات والبسط والسجاد وأنواع الحصر والمداد ، وصناعة الأدوات النحاسية والفخار والجص ، وغيرها من الصناعات التي توفر لها الإكتفاء الذاتي .

وأما من الناحية التجارية فهي تعتبر فيما مضى مركز استيراد وتصدير ، فهي مدينة تجارية ، كانت تستورد البضائع من مختلف أنحاء العالم ، فتستهلك بعضها وتصدر الفائض منها إلى البلدان الأخرى ، فتستورد الدقيق والحنطة والشعير والبن والهيل والسكر والتبغ والأقمشة والعطور والتوابل والعقاقير والورق والأواني المنزلية والأثاث والكماليات والمواد والخام كالنحاس والحديد والأخشاب وغيرها وكان تجارها يستوردون هذه البضائع من الهند وفارس والصين وشرق أفريقيا .

وفي أواخر القرن التاسع عشر الميلادي تركزت حركة الأستيراد في البحرين ، وصارت القطيف عي الميناء التجاري في المنطقة حتى بعد اكتشاف البترول ، وصارت هي بدورها تمد المدن المستجدة كالدمام والخبر والظهران وراس تنورة بمختلف البضائع ، حتى أنشئ ميناء الخبر ثم ميناء الملك عبد العزيز التجاري بالدمام ، فتقلصت حركة الأستيراد من مينائها ، ومن ثم أخذت دوراً ثانوياً ، أدى إلى تقلص دائرة الجمرك فيها ، ثم أغلاقه نهائياً ، حيث أصبح الأستيراد يتم عن طريق ميناء الدمام ، من جميع أنحاء العالم .

أما حركة التصدير فكانت نشطة في القطيف أيضاً ، فكانت تصدر منتجاتها أما عن طريق القوافل إلى داخل شبه الجزيرة العربية ، وأما عن طريق البحر إلى بلد الخليج وفارس .
كما كانت تؤمها السفن فترسوا في موانيها ، وتعود مشحونة بالبضائع من منتوجاتها ، وكانت أهم صادراتها اللؤلؤ والتمر والسلوق والدبس والفواكه والخضار والسعف والجريد والحبال والأغنام والجلود والسمن .

والخلاصة أن القطيف كانت تتمتع برخاء اقتصادي وتجاري ممتاز ، حتى ذهب بعض الباحثين إلى أنها هي مدينة الجرهاء ، التي أطنب في وصفها المؤرخون الأغريق استناداً إلى كونها مدينة ساحلية ، صالحة للإستيطان البشري وميناءً تجاري ، ومن ثم كانت مطلباً ومقصداً لكل فاتح بسبب رخائها الإقتصادي .

وقد حدثنا التاريخ الإسلامي بأن ما جمعه العلاء الحضرمي من الجزية لم ير النبي مالاً قبله ولا بعده ( راجع تحفة المستفيد ص 65 ، ساحل الذهب الأسود ص 203 ) ، وكان الغربيون يطلقون على هذه المنطقة اسم ( الدجاجة الذهبية ) التي تبيض دراً ، بالنسبة لمن يستولي عليها ، وحتى في وقتنا الحاضر بفضل الزيت المتددفق في أراضيها ما تزال الشريان الحيوي الذي يمد حياة أهل المملكة العربية السعودية بالخير والعطاء .

[ الصفحة السابقة ] [ البداية ]