في حظيرة الإسلام

الجزيرة العربية وغيرها كانت قبل ظهور الإسلام تعج بديانات مختلفة مثل النصرانية والوثنية والمجوسية واليهودية ، وكانت هذه المنطقة تعيش صراع بين تلك الديانات ، والمتتبع للحياة الفكرية قبل الإسلام لهذه المنطقة ، يدرك أنها كانت مهئة لقيام أمر جديد ، ولها استعداد نفسي لتقبل عقيدة التوحيد ، ولا ادل على ذلك من وجود أفراد من المنطقة استنارت ادهانهم فنبدو ملة أسلافهم ، فيحدثنا المسعودي " في مروج الذهب " بأن رباب السبتي وبحيراً الراهب وهما من بني عبد القيس كانا ممن عرف التوحيد وأقر بالخالق وصدق بالبعث والنشور ، ودعا إلى الإيمان بالله بين أقوامهم ، قبل مبعث الرسول (ص) ، وكذلك المنذر بن عائد الملقب بالأشج الذي اسلم عندما سمع بمبعث الرسول (ص) وكتم إسلامه حيناً من الزمن ، وقد اجمع المورخون بأن هذه المنطقة تقبلت الرسالة المحمدية عن اقتناع تام بصحة مبادئه ،فلم يكن هناك قتال ، فهي تعتبر ثاني منطقة بعد المدينة المنورة يدخلها الإسلام بدون قتال .

وكانت السنة السادسة للهجرة النبوية المباركة تحفل بأهم حدث تاريخي ، وهو انتشار ظل الإسلام في أراضيها ، ففي هذه السنة بعث الرسول ( ص) العلاء الحضرمي بكتاب إلى المنذر بن ساوي بن الأخنس العبدي الذي كان والياً على البحرين من قبل الفرس . هذا نصه :
(( بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله (ص) إلى المنذر بن ساوي ، فإني أحمد الله إليك الذي لا إله إلا هو ، أما بعد فإن من صلى صلاتنا ونسك نسكنا ، واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذاك المسلم ، له مالنا وعليه ما علينا له ذمة الله ورسوله ، من أحب ذلك من المجوس فهو آمن ، ومن أبى فعليه الجزية )) .

فلما قدم العلاء سلم الكتاب إلى المنذر ، فحين قرأه ابتدره العلاء قائلاً ، يا منذر أنك عظيم العقل في الدنيا ، فلا يصغرن بك في الأخرة ، أن المجوسية شرُ دين ، ليس فيه تكرّم للعرب ، ولا علم أهل الكتاب ، ينكحون من يستحى نكاحه ، وياكلون ما يتكره ما يُتكره من أكله ، ويعبدون في الدنيا ناراً تأكلهم يوم القيامة....، فانظر لمن لا يكذب إلا أن تصدقه ، وأن لا يخون إلا تأتمنه ، ولن يخلف إلا تثق به فإن كان أحد هكذا فهو النبي الأميّ ، الذي لا يستطيع ذو عقل أن يقول ليت ما أمر به نهى عنه ، أو ليت ما نهى عنه أمر به ، أو زاد في عفوه أو نقص من عقوبته إن كان منه إلا أمنية أهل العقل وفكر أهل البصيرة .

وقد كان لحديث العلاء وقع مؤثر في نفس المنذر بن ساوي فاقتنع بمنطقه السليم ، وعقب على كلامه قائلاً : قد نظرت في هذا الذي بيدي من الملك فوجدته للدنيا ، ونظرت إلى دينكم فوجدته للدنيا والآخرة ، فما يمنعني من قبول دين فيه أمنية الحياة وراحة الموت .

وبعد أن دعا قومه إلى اعتناق الدين الجديد بدون إكراه بعث إلى رسول الله (ص) بكتاب جاء فيه : أما بعد يا رسول الله فإني قرأت كتابك على أهل هجر ، فمنهم من أحب الإسلام ودخل فيه ، ومنهم من كرهه ، وبأرضي مجوس ويهود ، فأحدث لي يارسول الله في ذلك أمرك .
فأجاب الرسول (ص) بكتاب هذا نصه :
(( بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى المنذر بن ساوي سلام عليك ، فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو ، وأنه من ينصح فلنفسه ، ومن يطع رسلي فقد أطاعني ، وأن رسلي قد أثنوا عليك خيراً ، وإني شفعتك في قومك ، فاترك للمسلمين ما أسلموا عليه ، وإنك مهما تصلح فلن نعز لك من عملك ، ومن أقام على يهوديته أو مجوسيته فعليه الجزية )) .

وبالفعل احتفظ المنذر بن ساوي بمنصبه والياً على البحرين طيلة حياة الرسول (ص) حتى توفي ، أما العلاء الحضرمي فعينه الرسول مسؤلاً عن جباية الزكوات ، وأخدها من اغنيائهم وتفريقها على فقرائهم ، واستيفاء الجزية عن كل حالم ديناراً ممن لم يسلم ، وقد بلغ ما جمعه من الخراج في بعض الروايات مئة وخمسين ألف دينار وأرسلها بمعية أبي عبيدة بن الجراح إلى المدينة ، فلم يرى النبي (ص) مالاً أكثر منه لا قبله ولا بعده .

ولبث العلاء في منصبه حتى السنة التاسعة للهجرة ، ثم عزله الرسول (ص) وولى مكانه أبان بن سعيد بن العاص ، وكان من الموالين لأهل البيت (ع) ويعزى إليه انتشار التشيع في بلاد البحرين .

وهذا يثبت اثباتاً قاطعاً بأن التشيع وجد في هذه المنطقة منذ عهد الرسول (ص) ، حيث كان هناك العديد من الصحابة عرفوا بموالاتهم للإمام علي (ع) ، وبعد وفاة الرسول (ص) لم يبايع أبان أبا بكر بالخلافة ، وتشير بعض الروايات التاريخية إلى ان سبب عزل أبان عن منصبه بعد وفاة الرسول مباشرة يعود إلى هذا الموقف .

ويزيد عمر التشيع في هذه المنطقة على اربعة عشر قرناً ، ولهذه المنطقة رجالها من الصحابة والتابعين كانوا من الشيعة ومنهم على سبيل المثال الصحابي الجليل حُكيم بن جبلة العبدي ، وكان مشهوراً بالشجاعة والولاء ، ومن رجال الشيعة الذين نبغوا من هذه المنطقة :
زيد بن صوحان العبدي ( رض ) ، وقد قتل يوم الجمل ، وكان أحد سادات الشيعة في المنطقة ، وسبق أن قال فيه الرسول (ص) : (( زيد ما زيد ؟! تسبقه يده إلى الجنة ثم يتبعها جسده )) فكان كما قال (ص) وقد وقف الإمام علي (ع) عند مقتله وفيه رمق ، فقال : رحمك الله يا أمير المؤمنين ، ما علمتك إلا بالله عليماً ، وفي أم الكتاب عليّاَ حكيماً ، وأن الله في صدرك لعظيم ، والله ما قاتلت معك على جهالة ، ولكني سمعت أم سلمة (رض) زوجة رسول الله (ص) تقول : سمعت رسول الله (ص) يقول : ( من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وانصر من نصره واخدل من خدله ) ، فكرهت أن أخدلك فيخدلني الله تعالى.
ومنهم الصحابي صعصعة بن صوحان العبدي ( رض ) ، أسلم على عهد رسول الله وكان من سادات عبد القيس وخطبائهم المفوهين ، قاتل مع الإمام علي في معاركه ، واستشهد أخواه سيحان وزيد في معركة الجمل ، توفي في عهد معاوية وقيل أن الأخير قتله غيلة .

وفي السنة السابعة للهجرة تشكل وفد من بني عبد القيس لمقابلة النبي (ص) في عاصمة الإسلام برئاسة المنذر بن عائد الملقب بالأشج وقد أخبر الرسول بقدومهم في صباح الليلة التي قدموا فيها إذ قال : ليأتين ركب من قبل أهل المشرق لم يكرهوا على الإسلام ، وفي رواية أخرى سيطلع عليكم من ها هنا ركب هم خيرة أهل المشرق ، ولما قدموا رحب بهم وقال : مرحباً بالقوم لا خزايا ولا ندامى ، ودعا لهم اللهم اغفر لعبدالقيس ، وأوصى بهم الأنصار خيراً فقال : يا معشر الأنصار أكرموا إخوانكم فإنهم أشبه الناس بكم في الإسلام ، أسلموا طائعين غير مكرهين ولا موتورين .

المصادر :

- مقدمة في الأثار بالمملكة العربية السعودية . إصدار إدارة الأثار والمتاحف - الطبعة الثانية .
- تاريخ الخليج العربي منذ أقدم الأزمنة . د/ سامي سعيد الأحمد / مطبعة جامعة البصرة 1985 م .
- نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب . للقلقشندي تحقيق إبراهيم الأبياري دار الكتاب اللبناني . بيروت 1980م .
- مدينة على ضفاف الخليج القطيف . لمحمد سعيد المسلم . الطبعة الثانية . مطابع الفرزدق . الرياض . 1991م .

[ الصفحة السابقة ] [ البداية ]