الغـوص

تعتبر مهنة الغوص من الأعمال الرئيسية ، التي يمارسها ابناء الخليج منذ القدم واشتهروا بها ، حتى كانوا إلى عهد متأخر ينتجون نصف محصول العالم من اللؤلؤ ، وتدر عليهم أرباحاً تقارب تسعين مليون روبيه ، ومما يذكر أن عائدات الغوص في القطيف كانت تقدر بأربعة ملايين وستمائة الف روبية هندية ، وهو مبلغ طائل بالنسبة لذلك الوقت ، وهذه الثروة التي يحصل عليها السكان أسالت لعاب الأوربيين ، فحاولوا في فترات عديدة أن يحصلوا على امتياز صيد اللؤلؤ في الخليج باستخدام الوسائل الحديثة في الغوص ، فبأت محاولاتهم بالفشل ، حيث لقيت معارضة من الأهالي ومن السلطات المهيمنة على مياه الخليج .

وكان للغوص ثلاثة مواسم :
-1 غوص البرد :
ويبدأ من منتصف إبريل ، ويستمر أربعين يوماً ، وكان العمل فيه قاصراً على المغاصات الضحلى ، فإذا غاب الغواصون يومين ، سموه ( عزاب ) وإذا غابو أسبوعين ، سموه ( خانجيه ) .
-2 الغوص الكبير :
ويبدأ من منتصف مايو ، ويبدأ من منتصف مايو ، ويستمر إلى منتصف شهر سبتمبر ، وأوله يسمى الركبة ( أي ركوب السفينه ومغادرة البلد ) ونهايته يسمى القفال ( أي العودة من السفر ) .
-3 الردة ومدته ثلاثة أسابيع من 20 سبتمبر إلى 14 اكتوبر وهناك موسم رابع في الشتاء أو الربيع ، يسمى المجني حيث يلفظ البحر عدداً من القواقع قرب الساحل ، فيذهب النساء ويلتقطونه اثناء الجزر .

وتستخدم جميع أنواع السفن في أعمال الغوص ، وأغلبها من نوع السنبوك والبتيل والبقارة والبغلة ، ويتراوح عدد البحارة في كل سفينة من عشرة إلى ستين بحار ، وقد بلغ عدد السفن التابعة للقطيف في وقت ما 400 سفينة ، وتمول السفن العاملة في الغوص في الغالب من المسقمين ( الممولين ) أو تجار اللؤلؤ ، ليحصلوا على حق الإمتياز في شراء المحصول بنسبة خصم تساوي 20 % عن القيمة السوقية .

وطاقم السفينة يرأسه النوخده ( الربان ) فهو المسؤل عن جميع الأعمال ويأتي بعده في الأهمية الغواص وهو الذي يقوم بالبحث عن الأصداف في أعماق البحر ، ثم السيب الذي يتولى الإشراف على خدمة الغواص أثناء نزوله البحر ، ثم الرضيف وهو الذي يتولى خدمة البحارة من اعداد الطعام وصيد السمك ، ويوجد في طاقم السفينة ( التباب ) وهو الذي يرافقهم للتمرن على أعمال الغوص ، والنهام ( المغني ) وقد يكون أحدهم ، وهو الذي يرفه عنهم بأغانيه ومواويله التقليديه ، لينسيهم متاعب العمل الشاق والبعد عن الأهل والديار .

وعملية الغوص في البحر عملية صعبة محفوفة بالمخاطر ، وتقع كلها على عاتق الغواص ، لا سيما اذا زاد عمق البحر على نحو من 20 متراً واخطر ما يواجهه من الحيوانات البحرية حيوان يسمى ( الدول ) يبلغ حجمه قدر الكف ، وهو هلامي الشكل ، له خيوط طوال ، وكأنه كتلة من حرير أبيض ، فإذا لامس جسم الإنسا ن سبب له التهاباً وحرقة شديدة ، ومثله حيوان ( اللّويبي ) بالتصغير وهو دو لون أحمر وخطره أقل من السابق ، كما يوجد أحياناً سمك القرش ويسمى باللهجة العامية ( الجرجور ) أو كلب البحر فيهاجم الغواص ويقضي عليه ، أو يلحق به أضراراً بالغة .

وتبدأ أعمال الغوص من أول الصباح حتى نهاية النهار ، وبعد أن يخلع الغواص ثيابه يضع في أنفه الفطام ، وهو شبيه بالملقط يضغط على أنفه فيمنعه من التنفس ، ويحشو أذنه بقطع من الصوف المنذوفه أو شمع العسل ، ويستعين على النزول إلى القاع بقطعة من الرصاص أو الحجر ، يتراوح ثقلها ما ين 10 إلى 14 رطلاً يثبت في حبل له عروة يضع فيها الغواص رجله ، ليسرع إلى القعر ، ويأخد معه زبيلاً يسمى ( دين) مصنوع من حبل القنب له فتحات وعروة كبيرة ، ليجمع فيه المحار ويعلقه في عنقه ، ويضغ في يديه قفازات ، تسمى ( خبط ) وحبلاً في وسطه ، يسمى ( أيد ) متصلاً بالسفينة ، وحين ينزل إلى البحر يضع كفيه على وجهه ، فيصل إلى القعر بسرعة ، ثم يفتح عينيه ، حيث تبقى رجلاه معلقه إلى أعلا ويداه إلى أسفل ، وهو يجمع المحار ويضعه في الزنبيل ، فإذا انتهى أرسل إشارة بهزّ الحبل ، فيقوم السيب بسحبه فوراً إلى سطح الماء ، وتتراوح مدة كل غطسه وتسمى ( تبَّه) من 40 ثانية إلى دقيقة واحدة ، يجمع فيها عدداً من القواقع من 3 إلة 20 ، ويبلغ عدد غطسات الغواص في اليوم الواحد نحو الخمسين ، أما اذا كان الطقس بارداً فتتراوح من عشر إلى عشرين غطسه .

وحين يجمعون حصيلة اليوم ، يقومون بفتح المحار تحت اشراف النوخذة شخصياً ، وهو المسؤول عن حفظ اللئالي ، وهو الذي يتولى بيعه بنفسه ، فيسدد للمموّل دينه ، وبعطي مالك السفينة 20 % من المحصول ، ويختص لنفسه بنسبة 20 % ويقسم الباقي فيعطي الغواص 60 % والسيب 30 % ، أما التباب فلا يعطى شئء وليس له فائدة سوى نفقات أكله والتمرن على أعمال الغوص .

ويبع اللؤلؤ يتم في الأغلب على الطواش ، ويراعى فيه الحجم فاللؤلؤة الكبيرة تسمى ( جوهرة ) والوسطى تسمى ( دانة ) والصغيرة تسمى ( قماشة ) وتخضع أيضاً إلى عملية الفرز ، حيث تبوب إلى رأس وبطن وديل ، وأجمل اللئالي تسمى ( لقوة ) ، ويعمد الطواش أحياناً إلى شراء اللؤلؤ من السفن أثناء الغوص ، فيدفع الثمن أو يقايضهم بمواد التموين كالرز والتمر والقهوة والسكر وغيرها ، ثم تنتقل اللئالي بين تجار اللؤلؤ ويتبايعونه فيما بينهم ، إلى أن ينحصر في فئة من كبار التجار ، فيصدرونه إلى البحرين أو الهند ، حيث يتخد طريقه إلى الأسواق العالمية .

وكانت أعمال الغوص نشطة وتجارتها مزدهرة منذ اقدم العصور إلى حين ظهور اللؤلؤ الصناعي الياباني ، الذي لا يختلف عن اللؤلؤ الطبيعي في الشكل أو اللون ، ولا يمكن التمييز بينهما إلا بالأشعة السينية أو بعض الأجهزة الدقيقة كالإندوسكوب حتى أصبح ينافس اللؤلؤ الطبيعي في الأسواق ، وأدت كثرة إنتاجه إلى انخفاض قيمته ، كأي سلعه تجارية تخضع لقاعدة العرض والطلب ، هذا بالإضافة إلى أن كثيراً من البلدان التي تستورده والتي استقلت حديثاً بعد الحرب العالمية الثانية ، كالهند التي كانت السوق الرئيسية للخليج ، والتي قضت على بذخ المهراجات " بلغ الأمر من بذخ المهراجات أن يصنعوا من اللئالي قلائد لكلابهم " ، ومنعت استيراد اللؤلؤ وأخدت بمبدأ الإقتصاد الموجه ، ففرضت قيوداً على التحويل الخارجي ، وقد أدت هذه الأسباب إلى تدهور أسعاره ، حتى مُني أغلب التجار بخسائر فادحة وأدى فقدان رؤوس الأموال المموّله لأعمال الغوص إلى شل نشاطه، هذا بالإضافة إلى قيام صناعة الزيت في دول الخليج ، التي امتصت الأيدي العاملة ، وأصبحت المخاطرة في أعمال الغوص غير مرغوب فيها بعد أت توفر للعاملين الرزق المضمون والعمل المريح .

[ الصفحة السابقة ] [ البداية ]